بقلم - مشعل السديري
روي أن عبد الحكم من رواية ابن نجيح قال: أخبرني الثقة أن عمرو بن العاص قاتل الروم بالإسكندرية يوماً من الأيام قتالاً شديداً، فلما استعر القتال بينهم بارز رجل من الروم مسلمة بن مخلد، فصرعه الرومي وألقاه عن فرسه، وهوى إليه ليقتله حتى حماه رجل من أصحابه، وكان مسلمة لا يقام لسبيله ولكنها مقادير، ففرحت بذلك الروم، وشق ذلك على المسلمين، وغضب عمرو بن العاص لذلك، واتهم مسلمة بالجبن واشتد عليه بالكلام، ولكن مسلمة غضب من ذلك ولم يراجعه.
وقال: ثم اشتد القتال حتى اقتحموا حصن الإسكندرية فقاتلهم العرب في الحصن، ثم جاشت الروم حتى أخرجوهم جميعاً من الحصن إلا أربعة أنفار بقوا في الحصن، وأغلقوا عليهم باب الحصن، أحدهم عمرو بن العاص، والآخر مسلمة بن مخلد، ولم نحفظ الآخرين، وحالوا بينهم وبين أصحابهم، ولا تدري الروم من هم، فلما رأى ذلك عمرو بن العاص وأصحابه التجأوا إلى ديماس من حماماتهم فدخلوا فيه فاحترزوا به، فأمروا رومياً أن يكلمهم بالعربية، فقال لهم: إنكم قد صرتم بأيدينا أسارى فاستأسروا ولا تقتلوا أنفسكم، فامتنعوا عليهم، ثم قال لهم إن في أيدي أصحابكم منا رجالاً أسروهم ونحن نعطيكم العهود نفادى بكم أصحابنا ولا نقتلكم، فأبوا عليهم، فلما رأى ذلك الرومي منهم قال لهم: هل لكم إلى خصلة وهي نصف بيننا وبينكم؟ أن تعطونا العهد ونعطيكم مثله على أن يبرز منكم رجل ومنا رجل، فإن غلب صاحبنا صاحبكم استأسرتم لنا وأمكنتمونا من أنفسكم، وإن غلب صاحبكم صاحبنا خلّينا سبيلكم إلى أصحابكم، فرضوا بذلك وتعاهدوا عليه، وعمرو ومسلمة وصاحبهما في الحصن في الديماس، فتداعوا إلى البراز، فبرز رجل من الروم قد وثقت الروم بنجدته وشدته، وقالوا: يبرز رجل منكم لصاحبنا، فأراد عمرو أن يبرز فمنعه مسلمة، وقال: ما هذا تخطئ مرتين، تشذ عن أصحابك وأنت أمير، وإنما قوامهم بك، وقلوبهم معلقة نحوك ولا يدرون ما أمرك، ثم لا ترضى حتى تبارز وتتعرض للقتل، فإن قُتلت كان ذلك بلاء على أصحابك، مكانك وأنا أكفيك إن شاء الله.
فقال عمرو: دونك فربما فرّجها الله بك، فبرز مسلمة للرومي فتجاولا ساعة، ثم أعانه الله عليه فقتله، فكبّر مسلمة وأصحابه، ووفى لهم الروم بما عاهدوهم عليه، ففتحوا لهم باب الحصن ولا تدري الروم أن أمير القوم كان فيهم، حتى بلغهم بعد ذلك فأسفوا على ذلك، وأكلوا أيديهم تغيظاً على ما فاتهم.