بقلم: طارق الشناوي
ضبط الجرعة هى سر النجاح، عندما تزداد عن الحد المطلوب قد تلعب دورا سلبيا، مثل (الفيتامينات) لو أسرفت فى تعاطيها، ستؤدى حتما إلى اختلال فى وظائف الجسم، النجومية فى الحياة الفنية ينبغى التعامل معها بذكاء، إنها مجرد لحظة فارقة تتغير بعدها كل المقاييس.
أتذكر أننى فى عام ١٩٩٨ كنت حاضرا مهرجان (قرطاج) السينمائى فى تونس، عرض المهرجان على هامش فعالياته فيلم (صعيدى فى الجامعة الأمريكية)، الذى كان قد حقق أرقاما غير مسبوقة فى الشارع المصرى، وحتى يصبح للرقم دلالة، أقول لكم إن إيرادات الفيلم ارتفعت إلى ٢٨ مليون جنيه، بينما كان سقف الإيرادات وقتها لا يتجاوز ٧ ملايين لا يصل إليها إلا عادل إمام.
كان يمثل مصر رسميا بالمهرجان فيلم (أرض أرض)، السينما بجوار الفندق، وترجلت من فندق (إفريقيا ) بشارع (الحبيب بورقيبة)، مع بطلة الفيلم إلهام شاهين والمخرج إسماعيل مراد، وقرر هنيدى مجاملة فريق الفيلم بحضور العرض.
عدد لا بأس به من المواطنين تعرفوا على إلهام شاهين، بينما لا أحد اقترب من محمد هنيدى، وفجأة لمحت مواطنا يلاحقه، اعتبرتها القطرة التى تسبق الغيث، وبعدها سوف يتكاثر عليه الجمهور، ولكن لاشىء من هذا قد حدث، اكتشفت أنه شحاذ يطلب دينارا من مواطن تبدو على وجهه إمارات الطيبة، لا أكثر ولا أقل.
حدث هذا صباحا، بينما كان للمساء رأى آخر، ومشهد مختلف، فيلم (صعيدى) سيعرض فى السينما الرئيسية المقابلة للفندق، الآلاف تدافعوا للشارع وتوقف المرور، بسبب تهافت الجمهور غير المسبوق على محمد هنيدى، واستغرق الأمر أكثر من عشرين دقيقة حتى يصل لدار العرض التى تبعد ثوانى عن الفندق، وسط حماية مكثفة من رجال الأمن، كان الجمهور يترقب هذا النجم الذى أحدث طفرة رقمية فى الشارع المصرى، الجمهور التونسى متذوق جيد للسينما، ويذهب للعمل الفنى الأكثر إبداعا، إلا أن للنجومية حسابات أخرى. للدواء الشافى أعراض جانبية، النجاح الطاغى كذلك قد يصبح سببًا فى تراجع المبدع، عندما يجد نفسه قد أصبح مثل من يشارك فى سباق الحواجز، إذا لم يحقق فى القفزة التالية رقمًا أعلى يتعثر ويخرج من التسابق!!
بطلة فيلم (تيتانيك) كيت ونسليت، قالت مؤخرا إن ما حققه الفيلم من أرقام فى شباك التذاكر، نقلها هى وشريكها فى البطولة رينالدو دى كابريو إلى منطقة أخرى، لم تكن مستعدة لها، الشهرة خلال أشهر تجاوزت حدود أمريكا ١٩٩٧ لتصل للعالم كله.
فجأة تكتشف أن كل شىء محسوب عليك بدقة، أى كلمة عابرة تحاسب عليها، الشهرة المفاجأة لا تسمح بالتعامل (سنة سنة) مع هذا الحدث المصيرى، الذى يقلب كل شىء فى الحياة من النقيض للنقيض.
نور الشريف ذكر أنه فى بداية الشهرة، لم يستطع السيطرة على سلوكه، وارتكب عددا من الحماقات الشخصية، إلا أنه استطاع أن يستعيد عقلة ويسيطر على مشاعره، ويدرك أن عليه ضريبة اجتماعية واجبة السداد وإلا سيخسر كل شىء فى لحظة.
عندما أتابع المطرب أحمد سعد، فى طريقة ارتدائه لملابسه والحلى التى يحرص على أن تصاحبه فى أى حفل، أتصورها من توابع الشهرة القاتلة، وكان معها أيضا انفراجة مالية أفقدته القدرة على القراءة الصحيحة للبديهيات. وما يعانى منه محمد سعد فى السنوات الأخيرة، هى من توابع زلزال النجاح الطاغى لفيلم
(اللمبى) ٢٠٠٢، منذ تلك اللحظة وهو يزداد شراسة فى السيطرة على مقدرات الفيلم وتطويع الشخصية التى يقدمها لتحاكى شخصية ( اللمبى)، ترنحت إيراداته وخفت حضوره، رغم أنه كوميديان عميق الموهبة، إلا أنه قد أصابته فى مقتل أشواك النجاح، وأصبح يهرب من اللمبى إلى اللمبى!.