تأملوا هذا الموقف جيدًا، فوجئ جمهور سينما «ديانا» بوسط مدينة القاهرة وبعد بضعة أشهر من تولى الرئيس جمال عبدالناصر مقاليد الحكم في مصر، وتحديدًا في 7 فبراير 1955، بأنه هو الذي يستقبلهم ويلوح لهم من «البنوار» المخصص لبطل فيلم (عهد الهوى) فريد الأطرش ومعه فريق العمل، ولم يصدقوا أن ناصر يقف بينهم قبل وبعد عرض الفيلم!!
والحكاية أن فريد كان يعلم مدى حب جمال عبدالناصر لصوته وأفلامه، وهكذا امتلك الشجاعة لأن يوجه له الدعوة لينوب عنه في استقبال جمهوره ليلة الافتتاح بعد أن شعر بأنه غير قادر على استقباله نظراً لإصابته بذبحة صدرية قبل افتتاح الفيلم بأيام قليلة.
ما الذي من الممكن أن نستخلصه من هذا الموقف؟ سوى أن جمال امتلك قدراً كبيراً من البساطة في التعامل مع المحيطين به، كما أنه صاحب مزاج فنى، ولولا أن فريد كان يدرك ذلك لما كان من الممكن أن يفكر في توجيه هذه الدعوة له لينوب عنه في استقبال محبيه. المعروف أيضا أن عبدالناصر كان شغوفًا بالتصوير الفوتوغرافى والسينمائى.
كلنا نعرف علاقته الوطيدة بأم كلثوم وإيمانه بأهمية القوى الناعمة في تدعيم مبادئ الثورة، بل إن عبدالناصر ذكر أنه تأثر كثيرًا برواية (عودة الروح) لتوفيق الحكيم، وكتب هو بداية رواية (فى سبيل الحرية)، وهو في بواكير شبابه متأثرًا بـ(عودة الروح) تلك الرواية التي تم بعد ذلك إقامة مسابقة لاستكمالها، وفاز الأديب عبدالرحمن فهمى في المسابقة وتم طرحها في كتاب.
الإعلام كان يشكل هدفًا محوريًّا لرجال الثورة ومنذ البداية. بالطبع تعبير إعلام لم يكن متداولًا في الخمسينيات من القرن الماضى، بل كانوا يمنحونه صفة أخرى وهى «إرشاد» وهكذا أقامت مصر في منتصف الخمسينيات وزارة أطلقت عليها «الثقافة والإرشاد القومى».
كانت الإذاعة المصرية في صباح يوم 23 يوليو 1952 هي هدف الثورة الأول وهكذا اقتحم أنور السادات- باعتباره واحدًا من رجال تنظيم الضباط الأحرار- المبنى الكائن وقتها في شارع (الشريفين)، الذي تمت محاصرته من قبل رجال القوات المسلحة، في السابعة والنصف صباحًا، والتقى السادات مع المذيع فهمى عمر، أمد الله في عمره، لإذاعة البيان الأول للثورة.
كانت الإذاعة من خلال البرامج والأغانى تُمسك بكل تفاصيل التواصل الجماهيرى، ولهذا وبعد ساعات قليلة من قيام الثورة تم تعيين أحد الضباط في موقع رئيس أركان الإذاعة. لاحظ أن تعبير «أركان» له بالطبع مدلوله العسكرى، الذي يتوافق مع طبيعة المرحلة، فلا يذاع شىء إلا بعد الحصول على موافقته. ملحوظة التليفزيون المصرى بدأ البث عام 1960، ولهذا لم يكن هناك سوى الموجات الإذاعية، فكان أول قرار تم اتخاذه من قبل الضابط المكلف بموقع رئيس أركان الإذاعة، منع إذاعة أغانى أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب على أساس أنهما غنيا باسم الملك فاروق، فأصبحا محسوبين على العهد الذي كان يوصف بالبائد.
بمجرد أن علم عبدالناصر بهذا الموقف تدخل وأعاد أغانى أم كلثوم وعبدالوهاب للإذاعة، وقال للضابط الذي تصور أنه يُقدم خدمة جليلة للنظام الجديد: لو كان كل من عاش في عهد فاروق نعتبره من العهد البائد إذن عليكم ردم نهر النيل وتدمير الأهرام، لأنهما عاشا أيضًا في زمن الملك فاروق، لم ينس عبدالناصر موقف أم كلثوم من كتيبته التي كان يقودها في حرب 48 ضد إسرائيل أثناء الحصار في الفالوجة عندما عاد للقاهرة فاستقبلتهم في فيلتها استقبال الأبطال وغنت لهم، حيث كان الجنود أثناء الحصار يتابعون حفلها الغنائى الشهرى.
بعد أسابيع قليلة من الثورة قرر اللواء محمد نجيب أول رئيس مصرى وكان وقتها هو قائد الضباط الأحرار، إصدار بيان توجه به مباشرة للفنانين واحتل الجزء الأكبر منه السينمائيون، كان الهدف ليس اكتشاف موقف السينما والسينمائيين مما يجرى في مجتمع يعاد صياغة العديد من أفكاره، ولكن لإملاء مطالب السلطة الجديدة، وكان قد سبق هذا الاجتماع وبعد قيام الثورة بأربعين يومًا فقط، بيان أصدره نجيب عنوانه (الفن الذي نريده) جاء فيه «السينما وسيلة من وسائل التثقيف والترفيه وعلينا أن ندرك ذلك لأنه إذا ما أسىء استخدامها فإننا سنهوى بأنفسنا للحضيض، وندفع بالشباب للهاوية»، ولم يكتف بهذا القدر بل أصدر بعدها بيانًا تحذيريًّا آخر جاء فيه أيضًا، وبشكل أكثر حدة، أنه (لا يوجد فيلم إلا وأقحمت فيه راقصة وهذا كان يليق بالعهود البائدة ولكنه لا يليق بمصر الثورة)، وبدأت لقاءات السلطة مع السينمائيين وحرص أغلبهم على مجاملة رجال الثورة بارتداء زى عسكرى ترحيبًا أو نفاقًا، ولم يعترض على رؤية الضباط الأحرار للسينما سوى المخرجين أحمد بدرخان ومحمد كريم وحسن رمزى، حيث قال الأخير (نحن شعب مرح وليس معنى الثورة أن ننتج أفلامًا حزينة).
ولا يعلم الكثيرون أن الغناء للرئيس لم يبدأ مع جمال عبدالناصر بل مع محمد نجيب ولكن على استحياء عندما غنى له إسماعيل ياسين في فيلم (اللص الشريف) مونولوج «20 مليون وزيادة» ويقول في أحد المقاطع (الجيش ونجيب عملوا ترتيب)، كان مقصودًا برقم 20 مليونًا عدد سكان مصر في ذلك الوقت بينما تعبير «ترتيب» تم استخدامه لأن توصيف ثورة لم يكن قد أطلق بعد على 23 يوليو، وتذكر بعض المراجع أن طه حسين هو أول من أطلق عليها ثورة، بينما وحيد حامد في الجزء الثانى من مسلسل «الجماعة» ذكر أن من أطلق عليها ثورة هو سيد قطب، وبالطبع أنا لست مؤرخًا متخصصًا حتى أجزم بالضبط من هو صاحب تعبير ثورة.
الغناء لجمال عبدالناصر كان يتم عفويًّا بدون توجيه، وهكذا غنى عبدالحليم (يا جمال يا حبيب الملايين) وقبله غنت أم كلثوم (أجمل أعيادنا المصرية بسلامتك يوم المنشية) وذلك عام 54 بعد الحادث الشهير، بكلمات بيرم التونسى وتلحين رياض السنباطى، وتم تغيير المقطع الأول بعد رئاسة جمال عبدالناصر للجمهورية لتصبح الأغنية (أجمل أعيادنا الوطنية برياستك للجمهورية)، ثم بعد الوحدة مع سوريا صارت (أجمل أعيادنا العربية برياستك للجمهورية). وتبقى طبعًا العلاقة الخاصة والحميمة التي كانت بين الثلاثى عبدالحليم وصلاح جاهين وكمال الطويل وكان يتواجد أيضًا على الساحة في كتابة الأغانى أحمد شفيق كامل، وأطلق كمال الطويل تعبير (جبرتى الثورة) على صلاح جاهين، واقتنع هؤلاء الذين كانوا شبابًا في مطلع الثورة بجمال عبدالناصر، صحيح كثيرًا ما تغنوا باسم الزعيم ولكنهم لم ينافقوه، والدليل مثلًا أن كمال الطويل كما روى لى طلبوا منه في سوريا تقديم أغنية لحافظ الأسد، ولكنه برغم سخاء العرض المادى لم يتحمس، وقال: (لم ولن ألحن إلا لاسم جمال عبدالناصر)، وهو ما كررته أيضًا أم كلثوم، بالطبع هي وعبدالوهاب غنيا قبل عبدالناصر للملك فاروق، عبدالوهاب توافق سريعًا مع الرئيس أنور السادات، وكان يحرص على الغناء باسم عبدالناصر، ولكن من الواضح أن السادات لم يكن يريد تكرار الغناء باسمه، فكانت الأغانى من النادر أن تستخدم اسمه، كانت ميول عبدالوهاب السياسية نستطيع أن نُطلق عليها ساداتية الهوى، ورشحه لقيادة فرقة الموسيقى العسكرية مرتديًا بدلة اللواء لاستقباله في مطار القاهرة بعد عودته من (كامب ديفيد)، وهو يقود الأوركسترا أثناء عزف النشيد الوطنى الجديد (بلادى بلادى) عام 79، بينما أم كلثوم كما ذكر لى الأستاذ سامى شرف السكرتير الخاص للرئيس عبدالناصر، كانت في موسكو عام 70 في مثل هذه الأيام، تستعد لإحياء حفل ألغته فور أن علمت بنبأ الرحيل، ولم تستطع الغناء، وذهبت لسامى شرف بعد عودتها للقاهرة وقالت له وهى تؤدى واجب العزاء، أنها لا يمكن أن تغنى بعد عبدالناصر وسوف تعتزل الفن نهائيًّا، فقال لها: على العكس تماما عليك أن تواصلى الغناء حبًّا لعبدالناصر، ومن أجل الوطن. عدد كبير من المطربين قدموا أغنيات عن ناصر بعد الرحيل ولكن الدولة لم تتحمس كثيرًا لتداولها إعلاميًّا وأشهرها (رسالة إلى الزعيم) والتى سجلتها بالفعل أم كلثوم تبدأ بهذا المقطع (عندى خطاب عاجل إليك) شعر نزار قبانى وتلحين رياض السنباطى، طلبت أم كلثوم من المسؤولين بالإذاعة عدم إذاعتها، بعد أن تواصلت معها فيما يبدو جهات سيادية في الدولة طلبت منها ذلك حتى لا يصبح الأمر وكأنه موجه ضد الرئيس الجديد، لم تذكر أم كلثوم مباشرة أن هناك جهة ما طلبت منها ذلك ولكن في حوارها مع رئيس الإذاعة قالت فقط إن الظرف الزمنى غير مواتٍ لطرح الاغنية الآن .
تعددت المواقف بين الثورة والمثقفين وأيضًا الفنانين، وجاءت محطة فارقة جدًّا من خلال دعم الثورة الوليدة لإنتاج أفلام يلعب بطولتها النجم الكوميدى الأول إسماعيل ياسين في تلك السنوات منتصف الخمسينيات، وكانت البداية (إسماعيل ياسين في الجيش) وكان المقصود هو تقديم دعوة غير مباشرة للشباب لحثهم على الالتحاق بالجيش المصرى كمتطوعين، وهكذا تعددت الأسلحة التي يقدم عنها إسماعيل ياسين أفلامه مثل (الأسطول) و(الطيران) و(البوليس الحربى)، بل عند إعلان الوحدة مع سوريا عام 58 قدم إسماعيل فيلمًا عنوانه (إسماعيل ياسين في دمشق) وغيرها من الأفلام وهو ما لم يدركه مؤخرًا محمد رمضان عندما هاجم قبل نحو عام على صفحات (المصرى اليوم) أفلام إسماعيل ياسين الوطنية، باعتبار أن تلك الأفلام ساذجة أو تُقدم صورة مضحكة لرجال القوات المسلحة بأفرعها المختلفة، رغم أنها كانت دافعًا للشباب للتطوع بالجيش، وهو أحد أهداف الثورة الستة، بناء جيش قوى!!
ولم تكن الأمور فقط متعلقة بأغانٍ وأفلام، ولكن كانت نقطة فارقة ولا شك عندما أنشأت الدولة في نهاية الخمسينيات، (أكاديمية الفنون) لمواكبة العلم، وتعددت المعاهد التي تدرس الفنون بكل أطيافها الموسيقية والغنائية والمسرحية والسينمائية، وبعدها أنشئت (مؤسسة السينما) لإحكام السيطرة على الفن وواكب ذلك قرارات التأميم للكثير من أوجه الحياة ومنها الصحافة، وشاهدنا محاولات لتقديم أعمال فنية بإشراف الدولة جزء كبير منها ولا شك حمل إبداعًا ولكن وكالعادة كان هناك أيضًا الفن المنافق، الذي يقدم أفلامًا طبقًا لما تريده الدولة، وكانت لدينا مسرحيات رائعة وكتّاب كبار أضاءوا حياتنا، وهناك من فسر بعض الأعمال باعتبارها تحمل تعريضًا بعبدالناصر مثل «أنت اللى قتلت الوحش» لعلى سالم، كما أن هناك من كتب نقدًا سياسيًّا لعبدالناصر مثلما قال د. يوسف إدريس إن قصة (أكان لابد يا لى لى أن تضيئى النور) انتقد فيها جمال الذي وافق على اتفاقية (روجرز) التي أوقفت حرب الاستنزاف قبل رحيل عبدالناصر بأسابيع قليلة.
والعديد من الأفلام حتى قبل بداية تدخل الدولة في الإنتاج حاولت رصد ثورة يوليو ولكن كان هناك عدد من المحاذير التي لا يجوز اختراقها منها شخصية محمد نجيب، حيث تم حذفها تمامًا من فيلم (الله معنا) إخراج أحمد بدرخان عام 1955، وكان هذا هو شرط جمال عبدالناصر لعرض الفيلم، بعد إزاحة محمد نجيب عن الواجهة وتحديد إقامته، حيث طلب من إحسان عبدالقدوس مؤلف القصة حذف شخصية محمد نجيب تمامًا من الفيلم، برغم أن الأرشيف يحتفظ بصور فوتوغرافية للممثل زكى طليمات وهو يرتدى زى محمد نجيب مأخوذة من الفيلم. يجب أن نذكر أن عددًا من الأفلام لم يكن من الممكن رؤيتها لولا أن الرئيس جمال عبدالناصر صرح بها مثل (شىء من الخوف) إخراج حسين كمال قصة ثروت أباظة التي تخللها هذا النداء الشهير (زواج عتريس من فؤادة باطل)، حيث قالوا إن عتريس يرمز لعبدالناصر وفؤادة في الإطار نفسه هي مصر، وأن ثروت أباظة يشكك في شرعية الثورة، وبرغم أننى لا أرتاح لهذا التحليل المتعسف في تفسيره، لأنه لا يمكن في ظل تواجد القبضة الحديدية، أن يجرؤ أحد على توجيه نقد مباشر أو غير مباشر لجمال، ولكن في كل الأحوال، رفض جمال مصادرة الفيلم، وقال لثروت عكاشة الذي كان يشغل موقع وزير الثقافة في ذلك الوقت (لسنا عصابة تحكم مصر يا ثروت)، ولعبدالناصر مثلًا مواقف أخرى ربما أقل تداولًا ولكنها أكثر دلالة، فلقد تحمس لصوت عفاف راضى عام 1969 وطالب الإذاعة والتليفزيون بتبنى صوتها، كما أنه في أعقاب الهزيمة في 67 أراد ألا يزيد من أحزان المصريين وهو الذي طلب من المسؤولين تقديم أعمال ترفيهية، ومن هنا قدم فؤاد المهندس وشويكار ويوسف وهبى المسلسل الإذاعى والذى صار بعدها فيلمًا شهيرًا (شنبو في المصيدة). الغريب أن المقدمة الموسيقية كانت عبارة عن كلمات ساخرة كتبها الشاعر فتحى قورة على اللحن الوطنى لكمال الطويل (بلدى يا بلدى) الذي غناه عبدالحليم، ولم يعترض أحد ويعتبرها بمثابة سخرية.
كالعادة تحدث مبالغات وكان هناك تسابق غنائى لكى يغنى الجميع باسم جمال عبدالناصر في كل الحفلات وليس فقط الوطنية، وزادت الجرعة إلى درجة أن عبدالناصر نفسه كما روى لى الإذاعى جلال معوض، وكان قريبًا من الرئيس عبدالناصر، حيث طلب منه بصفته المشرف على حفلات (أضواء المدينة) إصدار تعليمات تمنع المطربين من الغناء باسمه، وفى أول الحفل، التزم البعض في البداية وبعدها انفلت الجميع وغنوا باسم الزعيم، وجاءت البداية من المطرب محمد الكحلاوى رغم أنه كان متخصصًا في الغناء الدينى. كان عبدالناصر محبًّا للقراءة وسمّيعًا للأغانى بدليل أنه كثيرًا ما كان يذهب لحفلات أم كلثوم، وكانت أغنيته المفضلة (أروح لمين وأقول يا مين ينصفنى منك)، هو الذي طلب من فريد شوقى أن ينتج فيلمًا عن بورسعيد، بعد حرب 56 مباشرة، وعندما طارد صلاح نصر فاتن حمامة واضطرت للسفر إلى بيروت هربًا من ملاحقاته لها في محاولة منه لتجنيدها طالب سعد الدين وهبة الذي يشغل موقع وكيل وزارة بضرورة إعادتها لمصر قائلًا له إنها ثروة قومية، كما أنه كما روى لى الأستاذ محمد فائق وزير (الإعلام) الإرشاد القومى، أنه طالبه وهو بصدد إقامة أول حفل في سوريا عام 63 بعد الانفصال بعامين أن يسعى لعودة صباح لمصر، بعد أن لاحقتها الضرائب ولم ترحمها مضايقات صلاح نصر، فكانت تقيم ما بين بيروت ودمشق، ونجح بالفعل الأستاذ فائق في تذليل كل المشكلات!!
وكما بدأنا بواقعة لفريد الأطرش دعونا نختتمها أيضًا بفريد الأطرش، وذلك قبل رحيل عبدالناصر بأشهر قلائل وفى عيد الربيع «شم النسيم» عندما احتدم الصراع بين عبدالحليم وفريد عام 1970 حول من يغنى وينقل التليفزيون حفله على الهواء، ولم تكن الإمكانيات وقتها تسمح سوى بنقل حفل وتسجيل الآخر، ولم يستطع وزير الإعلام عبدالقادر حاتم اتخاذ القرار، فرفع الأمر إلى عبدالناصر الذي قرر نقل حفل فريد مباشرة، وتسجيل حفل عبدالحليم ليعرض في اليوم التالى.
كان جمال عبدالناصر عنوانًا لزمن جميل ونبيل، نعم هناك انتصارات وانكسارات وسماح يعقبه منع، ولكن لا ينكر أحد أنه ترك بصمة على الحياة الثقافية والإبداعية لم ولن تمحى، بالطبع الهامش الذي يمارس فيه المبدعون حقهم في التعبير والانتقاد كان محدودًا بالمعيار السياسى، إلا أنه اتسع قليلًا في أعقاب الهزيمة، وبات مثلا (الاتحاد الاشتراكى)، وكان أحد المقدسات، من الممكن السخرية منه، ويطالبون في حوار الأفلام (بتأجيره مفروش)، من الواضح أن عبدالناصر وطبقا للمحاضر الرسمية في الاجتماعات التي عقدها بعد الهزيمة، أيقن أن ترسانة الرقابة المفروضة أدت إلى هزيمتنا، وهكذا قدم مراجعات متعددة تؤكد أنه كان حريصًا على فتح باب الحرية، وعندما يرتفع منسوب الحرية السياسية سينعكس ذلك لا محالة على الفن والثقافة.
ويبقى أن أذكر للتاريخ أنه عندما رصد مهرجان القاهرة السينمائى الدولى عام 96 بمناسبة مرور 100 عام على بداية العروض السينمائية، وأقام سعد الدين وهبة استفتاء لاختيار أفضل 100 فيلم مصرى- بلغ عدد الأفلام التي أنتجتها مؤسسة السينما 50 فيلما، رغم أن مؤسسة السينما التابعة للدولة لم تستمر أكثر من عشر سنوات!!