بقلم - طارق الشناوي
نتناقل الحكاية الساخنة ونحن سعداء بالمعنى الجميل الذى يعبر عن قناعاتنا أو رغباتنا أو حتى إحباطنا، مثلما يقول عشاق محمد فوزى، وأنا واحد من المتيمين به، إنه كان الفنان الوحيد الذى قال لا لعبدالناصر ورفض الغناء باسمه، فأصابته طعنات رجال ناصر، حيث طال التأميم مطلع الستينيات شركته (مصر فون)، بينما لم يقترب أحد من شركة منافسيه (صوت الفن) لمحمد عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ، لأنهما غنيا بمناسبة وبدون مناسبة لعبدالناصر.
يبدو فوزى فى صورة بطل يعلو صوته قائلاً لا، كما أنها تؤكد صورة عبدالناصر الطاغية، الذى يريد أن يحيل الوطن إلى بوق للهتاف باسمه.
زمن ثورة 23 يوليو دفع الفنانين، أو لنقل العدد الأكبر منهم، إلى رؤية ملامح الوطن فى ملامح الزعيم، مراهقة شعورية، الكل غنى لعبدالناصر وتتعدد درجات الإيمان بالرجل ومبادئه، وهناك من غنى أيضا خوفًا أو نفاقًا، ولا أتصور أن الأمر كان متاحًا للجميع بدون الحصول على ضوء أخضر، وأنا أكتب هذه الكلمة أستمع إلى أم كلثوم وهى تغنى (يا جمال يا مثال الوطنية) قدمتها عام 54 بعد المحاولة الفاشلة لاغتياله فى ميدان المنشية، وكان محمد نجيب هو رئيس الجمهورية، ولهذا رددت: (أجمل أعيادنا المصرية بسلامتك يوم المنشية)، التى غيرها الشاعر بيرم التونسى مرتين، الأولى بعد أن أصبح جمال رئيسا فصارت عام 55 (أجمل أعيادنا المصرية برياستك للجمهورية)، إلا أنه بعد 58 وإعلان الوحدة مع سوريا صارت (أجمل أعيادنا العربية برياستك للجمهورية)، وقدم رياض السنباطى لحنًا أقرب لحلقات الذكر، نصف ساعة تعيد أم كلثوم وتزيد نفس الكوبليه وتنهيه قائلة: (ردوا علىّ)، ويرد طبعا عليها (الكورس) على المسرح، والجمهور فى الصالة.
أين فوزى من كل ذلك؟ لا أتصور سوى أنه أراد، مثلهم، أن يغنى، لكنه كان يبحث عن الفكرة، كان يضع فى ذهنه أيضا النجاح الذى حققه الثلاثى صلاح جاهين وكمال الطويل وعبدالحليم، كما كانت هناك أيضا ثنائية بين عبدالوهاب والشاعر حسين السيد، ووجد فوزى أنه من الممكن أن يغنى لعبدالناصر من خلال الأطفال، وهو اللون الذى لا ينافسه فيه أحد، وجاءت أغنية (كان وإن/ إن وكان) التى كتبها حسين السيد، تبدأ بهذا المطلع (بابا كان له صاحب ضابط جوه الجيش)، وتنتهى (عارفين مين كان صاحب بابا) يرد الأطفال (بابا جمال)، ويغنى فوزى: (وحبيبنا وقائد ثورتنا) يرد الأطفال: (بابا جمال) ويغنى فوزى: (واللى رجع لنا وحدتنا) يرد الأطفال: (هو بابا جمال هو بابا جمال هو بابا جمال) والأغنية مسجلة فى حفل نهاية الخمسينيات.
السؤال كان وسيظل: لماذا أمم فقط شركة فوزى؟ ليس لدى إجابة قاطعة، كيف تم استثناء عبدالوهاب وعبدالحليم سوى لأنهما كانا على علاقة قوية ومؤثرة بناصر وعامر، ورغم ذلك لا أستطيع أن أجزم بأن تلك هى فقط الحقيقة، إلا أن ما أجزم به أن فوزى لم يتم عقابه لأنه لم يغن لعبدالناصر، لسبب أنه لا هو ولا غيره كان يملك أن يقول لا للغناء لعبدالناصر!!