بقلم -طارق الشناوي
توجد حقيقة واحدة، ولدينا أكثر من زاوية نُطل من خلالها عليها، مصادفةً قرأت ع الفيسبوك، ابن الكاتب والمخرج الكبير رأفت الميهى وهو يحكى هذه القصة الطريفة عن والده فى ذكرى رحيله، وكيف اكتشف الميهى أن ابنه البكر يدخن من ورائه السجائر.
قال إن الأستاذ رأفت كان منهمكا فى كتابة (الصعود للهاوية)، والساعة قد جاوزت الثانية فجرا، والسجائر نفدت، وفى هذا الزمن منتصف السبعينيات كان أصحاب المحال أيضا ينامون مثل سائر البشر ويغلقون الدكان ولا يتجاوزون أبدا منتصف الليل.
طلب رأفت من ابنه أن يحضر له سجائر ربما نسيها فى غرفته، دخل الابن إلى الغرفة، ولم يجد غير سجائره هو، نوع مختلف عما يتعاطاه والده، ماذا يفعل؟ قرر أن يأخذ سيجارتين من العلبة لعل والده لن يلحظ الفارق، وبالطبع اكتشف رأفت اللعبة، وداعبه قائلا: (ماشى يا....).
ما استوقفنى هو ذكر اسم سيناريو (الصعود للهاوية) الذى يتناول واحدة من قصص البطولة المصرية، الفيلم على (التترات) منسوب للكاتب الكبير صالح مرسى، صاحب أشهر القصص التى تناولت بطولات المخابرات مثل (الدموع فى عيون وقحة) و(رأفت الهجان).
تذكرت الحوار القديم الذى أجريته فى مطلع الألفية الثالثة مع المخرج الكبير كمال الشيخ، وتحتفظ به قناة (الأوربت)، ذكر لى أن سعاد حسنى كانت هى المرشحة لدور البطولة، وطلبت إعادة كتابة السيناريو، وهو أيضا كانت لديه ملاحظات على النص، وعلى الفور تمت الاستعانة برأفت الميهى، أقرب الكتاب إلى فكر كمال الشيخ، ومن القلائل الذين تثق بهم سعاد، إلا أنها فى النهاية انتابها الخوف من تقديم شخصية الجاسوسة، واعتذرت فى اللحظات الأخيرة، وتم إسناد الدور إلى مديحة كامل ليصبح (الصعود) هو ذروتها السينمائية.
أمثلة متعددة عايشناها ولا نستطيع سوى أن نلتزم بالوثيقة، مثلا عام 2000 عُرض فى (بيناللى السينما العربية)، الذى كان يقام بمعهد العالم العربى فى باريس، فيلمان لأحمد زكى (هيستريا) و(اضحك الصورة تطلع حلوة)، منحت لجنة التحكيم التى كان يترأسها المخرج الجزائرى أحمد راشدى الجائزة لأحمد، أحسن ممثل عن (اضحك) فقط، عند إعلان النتيجة أخطأ راشدى وقال إن الجائزة عن الفيلمين، والشهادة التى حصل عليها موثق فيها اسم الفيلمين، بينما الناقدة ماجدة واصف رئيسة المهرجان أكدت منذ عشرين عاما أن راشدى أخطأ والجائزة فقط عن (اضحك).
لديكم فيلم (شباب امرأة) لصلاح أبوسيف، عُرض عام 55، الذى أوضح فى مذكراته التى نشرها له الكاتب عادل حمودة أن نجيب محفوظ كتب السيناريو، واعترض كاتب القصة أمين يوسف غراب على أن يوضع بجواره اسم منافسه، واستطاع بحيلةٍ ما أن يحصل من غرفة صناعة السينما على شهادة تثبت أنه كتب السيناريو، ولهذا لن تجد اسم نجيب محفوظ على (التترات).. لديكم أيضا المسلسل الإذاعى (أرجوك لا تفهمنى بسرعة) بطولة عبدالحليم حافظ، المنسوب للكاتب الكبير محمود عوض، بينما الحقيقة أن وحيد حامد ومنير عامر ساهما بقسط أكبر فى الكتابة.
ما الذى علينا أن نفعله عندما تتناقض الوثيقة مع الحقيقة؟.. نكتب أم نصمت؟!!.