بقلم: طارق الشناوي
قال لى الإذاعى الكبير «جلال معوض» إن الرئيس «جمال عبدالناصر» كان يضجّ من كثرة الأغانى التى تتغنى باسمه، ولهذا فى أحد الاحتفالات الوطنية لا أتذكر تحديدا ما إذا كانت السد العالى أم الثورة، كانت التنبيهات صارمة وهى: «إياكم والغناء باسم ناصر»، التزمت «نجاة» و«محرم فؤاد» و«شادية».. ثم وآه من «ثم»، جاء دور المطرب الكبير «محمد الكحلاوى» الذى كان وقتها يردد عددا من أغانيه الدينية والبدوية، وفجأة غيّر فى كلمات إحدى أغنياته، وأضاف اسم «عبدالناصر» ومن بعدها فقد «جلال معوض» السيطرة وانطلق الجميع يغنون باسم الزعيم!!.
لا أتشكك بالتأكيد فى رواية الأستاذ الإذاعى الراحل الكبير، لكنى فقط أتوقف أمام رغبة الزعيم فى الغناء باسمه.. لا أتصور أن «عبدالناصر» كانت لديه اعتراضات، بل المؤكد أنه كان سعيدا.
أمس الأول، حلت الذكرى رقم 72 لثورة يوليو، استعدت عددا من أغانيه عبر إذاعة الأغانى، مثلا أم كلثوم (حققنا الآمال/ برياستك يا جمال/ بعد الصبر ما طال).. وتعيد وتزيد فى هذه الكلمات الركيكة، ونكتشف أن الذى كتبها هو زجال مصر الأول «بيرم التونسى» والذى لحنها هو عملاق الموسيقى الشرقية «رياض السنباطى»، بعدها يقول الشاعر الكبير عبدالفتاح مصطفى بصوت أم كلثوم: («الزعيم والثورة وفوا بالعهود/لسه دور الشعب يوفى بالوعود)، يبرئ ساحة الزعيم، ويدين شعبا بأكمله. بالتأكيد ليست كل الأغنيات التى ردد فيها الشعراء اسم «عبدالناصر» مجرد هراء وخوف من السلطة.. لا يمكن أن أصدق مثلا أن (إحنا الشعب/إحنا الشعب/اخترناك/ من قلب الشعب) لصلاح جاهين وكمال الطويل، ولا أغنية (يا جمال يا حبيب الملايين)، لإسماعيل الحبروك والطويل ولا «أحمد شفيق كامل» وهو يقول (ضربة كانت من معلم/ خلّى الاستعمار يبلم)، لا أصدق أنها أغنيات كاذبة.. لدينا بالتأكيد أغنيات عديدة عبرت بصدق لم تأت تحت تأثير الخوف.
لو عدت إلى أرشيف الإذاعة، فسوف تكتشف أن البعض كان يكتب (ناصر) أو (جمال) أو (أبوخالد) والبحث بعدها عن أى وزن وقافية، وملئها بكلمات.. الرئيس لم يعترض على هذا الإسراف، ربما فى لحظة قال مثلا كفاية، حدث هذا مرة أو اثنتين، إلا أنه أسعدته هذه الأغانى التى تعنى أن الكل يذوب فى واحد، والذى يدفع الثمن بالتأكيد هو الكل!!.
عندما سألت الموسيقار الكبير «كمال الطويل» وهو على الأقل صاحب 90٪ مما ردده «عبدالحليم حافظ» من أغنيات وطنية واكبت الثورة.. أجابنى بأنه لم يشعر ولو لحظة واحدة أنه يلحن لجمال ولكن للوطن.. انتهت كلمات «الطويل» إلا أننى أضيف أن هناك من غنى بقناعة وهناك من غنى لمسايرة الزفة، وما تبقى فقط هو تلك الأغنيات التى قدمت بإحساس، وبالتأكيد تحتل أغنيات «الطويل» و«جاهين» و«حليم» النصيب الأكبر منها.
هل عاقب عبدالناصر من لم يردد اسمه؟.. المطربون والمطربات كانوا يتسابقون لذلك سواء عن قناعة بأحلام عظيمة للوطن بدون انتظار مقابل، أو بانتظار الثمن!!.
ما حقيقة التنكيل بمحمد فوزى لأنه لم يغن للرئيس؟ تم تأميم شركة (مصر فون) التى كان يمتلكها فوزى ووضع فيها كل آماله وأمواله، ثم صار أجيرا، واحتل المسؤول الجديد مكتبه الفاخر، بينما منحوه مكتبا صغيرا بجوار دورات المياه، ومكافأة شهرية لا تتجاوز 100 جنيه.
الحقيقة الموثقة أن فوزى غنى فعلا لعبدالناصر مع الأطفال (لعمو جمال)، وردد (كان وإن/ إن وكان)، كما أنه أقام دعوى ضد الموسيقار محمد عبدالوهاب ملحن ومطرب أغنية (ناصر كلنا بنحبك)، حيث قام بتسجيل الأغنية بدون موافقة عبدالوهاب على أسطوانة بصوته، بحجة أن عبدالوهاب لم يحسن أداءها، عبدالوهاب بعدها صادر الأغنية.
الأمر الملتبس فى الحكاية أنه لم تؤمَّم شركة (صوت الفن) لأن صاحبيها عبدالحليم وعبدالوهاب قدما القسط الأكبر من الأغنيات للزعيم، بينما ما قاله لى حرفيا قبل عامين الأستاذ الراحل سامى شرف، سكرتير مكتب الرئيس عبدالناصر، إن قرار التأميم له علاقة بمقدار رأس المال ، وفوزى كان لديه مصنع أسطوانات، مما جعله هدفا للتأميم.
قطعا أسوأ قرار هو التأميم خاصة الشركات الفنية، وتلك حكاية أخرى!!.