بقلم - طارق الشناوي
قبل بضع سنوات، تواصلوا فى أكاديمية الفنون مع الفنانة الكبيرة فريدة فهمى، وأخبروها بترشيحها لجائزة الدولة التقديرية لما حققته من إنجاز فى مجال الرقص الشعبى، وصارت هى العنوان، سألت فريدة: هل تم ترشيح الأستاذ محمود رضا للجائزة؟، أجابوها أنتِ فقط المرشحة، ولم يتطرق الأمر إلى محمود رضا أو غيره، واعتقدوا أنهم سيحصلون على رضائها عندما أضافوا. عندما نتحدث عن الرقص الشعبى، سيصعد منفردًا وعلى الفور اسم الأستاذة فريدة، فهى حقًا الفريدة فى الدنيا كلها. قالت غاضبة: لولا محمود رضا ما كان ممكن أن تصبح فريدة فهمى ولا فرقة رضا ولا فن الرقص الشعبى، أنا اعتذر عن الترشيح لأنكم تجاهلتم الأستاذ.
كان هذا هو رد فريدة فهمى على من أسقطوا من التاريخ قامة وقيمة بحجم محمود رضا، من هم داخل الملعب هم الأقدر على تقدير عمق الإضافة وسر الإبداع، فريدة تدرك كم العطاء الذى منحه محمود رضا لهذا الفن الذى سخر له كل عمره، لم تنحز إليه باعتباره شقيقًا لزوجها على رضا، وكان زوجًا أيضا لشقيقتها نديدة، انتصرت فقط للعدالة، بينما ما نراه على أرض الواقع هو طمس للحقائق، الأحياء بقدر ما يضربون الموتى ويتعمدون التقليل من إنجازهم، يوجهون أيضا ضربات لبعضهم البعض، تابعوا ما عايشناه فى جوائز الدولة، التلميذ ببعض الاتصالات مع من بيدهم الأمر وبكثير من الإلحاح على زملائه يستطيع أن يقتنص الجائزة، بينما الأستاذ يقف بعيدا، لأن عزة نفسه تمنعه من السؤال.
فى حياتنا عشرات من الأسماء، تردد على طريقة شاعرنا الكبير كامل الشناوى (أنا لا أشكو ففى الشكوى انحناء/ وأنا نبض عروقى كبرياء). يجب أن نذكر أن الأخطاء التى لها مذاق الخطايا ليست كلها متعمدة، أحيانا يتم التجاهل بحسن نية، وهو بالمناسبة عذر أقبح من ذنب، يؤكد أن العشوائية هى التى تحكم المنظومة كلها، والبعيد عن العين بعيد عن التقدير.
على وزيرة الثقافة د. إيناس عبدالدايم المسارعة بإنشاء لجنةٍ دورُها هو إنعاش الذاكرة، ليس الأمر متعلقًا فقط بالترشيح للجوائز، ولكن بتوثيق التاريخ الذى نرى جزءًا منه ينسحب وتختفى رموزه من الدنيا.
هل لايزال مثلًا لدينا عازفون لحقوا بزمن أم كلثوم؟، نعم، من المشاهير هانى مهنا ومجدى الحسينى عازفا الأورج، وفاروق سلامة عازف الأوكرديون، ولدينا عدد محدود آخر من عازفى الكمان، الذين كانوا يجلسون فى الصف الثانى ويتقاضون فى البروفة الواحدة خمسة جنيهات، لأن مَن يحتل الصف الأول يحصل على عشرة جنيهات.. لماذا لا يتولى المركز القومى للسينما مثلا توثيق مفردات زمن فرقة أم كلثوم؟!.
من كان يملأ أعيننا نكتشف بعد لحظات أنه غادرنا، وقبل أن يدلى برأيه فى الزمن الذى كان أحد شهود العيان عليه.
دور الدولة هو أن توثق شهاداتهم وتحفظها للأجيال القادمة، لدينا مثلًا فى مجال الغناء محمد سلطان وخالد الأمير وحلمى بكر وجمال سلامة وعمر بطيشة وبخيت بيومى ومحمد زكى الملاح ونجاح سلام وشريفة فاضل وغيرهم.. كيف لا نستعيد بعيونهم رؤية مائة سنة من الغناء المصرى، علينا وفى كل المجالات أن نلاحق الأيام قبل أن تهزمنا الأيام؟!!.