بقلم - طارق الشناوي
كم تمنيت أن تتوقف عقارب الساعة عند تلك اللحظة وأنا أشاهد المطربة الكبيرة نجاة تتسلم جائزة الإنجاز مدى الحياة، فى احتفالية (جوى أوردز)، النسخة الرابعة بالرياض، وهو الحفل الذى أثار الدهشة من فرط جاذبيته غير المسبوقة.
أعظم تكريم هو ما عاشته نجاة فى تلك اللحظات، من خلال حدقات العيون ونبضات القلوب، التى توحدت عليها، إلا أن هناك من يريدون سرقة البهجة.
يقينا نجاة كثيرًا ما اعتذرت عن الكثير من الدعوات المماثلة، ولكنها اختارت أن تحظى فى تلك اللحظة بهذا التكريم ويداخلها نداء عميق يدفعها لكى تمسك بيديها كل هذا الحب، لرحلة إبداع تقترب من 70 عامًا، منحت فيها الوطن العربى الكثير.
هناك من يقول إنه يريد الاحتفاظ فى الذاكرة بملامح نجاة فى عز شبابها، وهم لهذا أشفقوا على رؤيتها فى هذا العمر.
أتذكر أننا عشنا جميعًا السنوات الأخيرة من حياة فاتن حمامة وماجدة الصباحى ونادية لطفى وفريد شوقى وأحمد مظهر وغيرهم، على الشاشات وفى اللقاءات التليفزيونية، بعد أن قال الزمن كلمته على ملامحهم، فهل أثر ذلك على مشاعرنا تجاههم؟، صوفيا لورين ليست فقط نجمة أسطورية عالمية، ولكنها أيضا كانت رمزًا للجمال الساحر والأنوثة الطاغية، أى أن رأس مالها عند الجمهور مرتبط أيضًا بتلك الملامح التى عرفناها فى الخمسينيات، وهى تكبر نجاة بعامين، فهل توارت عن العيون حتى تحافظ على صورتها الذهنية؟، لا تزال صوفيا تتواجد كلما عن لها ذلك، ولم أقرأ، بأى لغة من لغات العالم، من قال لها اكتفى بهذا القدر.
نحن مع الأسف نردد، وبعدها نصدق قصصًا وهمية، تخاصم تمامًا الحقيقة، مثل أن ليلى مراد قررت أن تغيب عن السينما فى منتصف الخمسينيات حتى تحافظ فى الذاكرة على صورتها كفتاة أحلام.
وبرغم أن كل إنسان من حقه الاختيار، سواء أراد إكمال المشوار أو الاختفاء عن الأنظار، إلا أننا لا ينبغى أن نشارك فى تزوير الحقيقة، ليلى مراد لم تعتزل حرصًا على أن تظل ملامحها ثابتة عند عشاقها، وفى تسجيل لها مع الإعلامية الراحلة آمال العمدة أكدت أنها تواصلت، فى الستينيات، مع المسؤولين عن مؤسسة السينما المصرية، والتى كانت تملكها الدولة، واتفقت على العودة للاستوديو، وكانت هناك فكرة للجمع بينها وبين عبد الحليم فى فيلم واحد، إلا أن المشروع لم يكتمل، وهذا يؤكد حرصها على التواجد فى كل مراحلها العمرية، بالمناسبة ظلت أم كلثوم تغنى فى حفل عام حتى مطلع عام 1973.
وكثيرًا ما كانت الفنانة الكبيرة هدى سلطان تشرفنى بالحضور فى نقابة الصحفيين وتحضر ندوات المسلسلات التى تلعب بطولتها، وفى نهاية اللقاء تغنى بناء على طلب الجماهير (إن كنت ناسى أفكرك).
أنا مدرك أن سعاد حسنى، الشقيقة الصغرى لنجاة، أحد أسباب ابتعادها فى السنوات الأخيرة عن (الميديا) وإقامتها الدائمة فى لندن، هو الاختفاء عن الأنظار، هذا ما توافق مع البناء النفسى لسعاد، إلا أن تلك ليست هى أبدًا القاعدة، ولا ينبغى أن تكون كذلك.
ابتهجت نجاة للكثير مما قرأته أو شاهدته فى الصحافة والإعلام العربى، بعد حفل (جوى أوردز)، وبرغم إيمانى بالحرية المطلقة للجميع فى تناول أى حدث، بمختلف الزوايا، إلا أنه لا يجوز أن نسرق الفرحة من أحد، نجاة عاشت ليلة السبت الماضى، أحلى ليلة، عندما تابعت القلوب العربية وهى تهتف بحبها، أنت لا تريدها أن تصالح أيامها ولا ملامحها، هذا شأنك، ولكنها أحبت أيامها وملامحها، وملايين أيضًا أحبوها!!.