السكون والمظهرية

السكون والمظهرية

السكون والمظهرية

 العرب اليوم -

السكون والمظهرية

بقلم - د. محمود خليل

أحيت تكنولوجيا التواصل الاجتماعى واحدة من السمات الأساسية التى ميزت الشخصية المصرية عبر العصور؛ والمتمثلة فى الاستيطانية والميل إلى الثبات فى المكان، وهى السمة التى كانت تتوارى فى أحيان قليلة. فالمصرى بطبيعته ميّال إلى السكون فى المكان، حتى المكان الذى يؤدى فيه صلاة الجمعة تجده ميالاً إلى الجلوس فى الموضع الذى تعوّد عليه كل أسبوع، ويصيبه الضيق إذا وجد غيره من المصلين يجلس فيه.

ورغم تمكّن هذه السمة من الشخصية المصرية؛ بدليل إصرارهم منذ آلاف السنين على العيش داخل وادى النيل والدلتا فى مساحة لا تزيد على 3.5% من إجمالى مساحة البلاد، إلا أن ذلك لم يمنع المصرى من السفر والتحرك، سواء من القرى إلى المدن، أو إلى خارج البلاد، بحثاً عن الرزق، أو الزيارات العائلية، أو أداء العبادات، لكنه دائماً وأبداً لم يكن يتحرك من أجل «الاكتشاف»، بدليل أن حجم السياحة الداخلية من أجل استكشاف آثار الأجداد على سبيل المثال محدود. إن الشخص من هؤلاء يكسل عن زيارة المتحف أو الأثر الذى يبعد عن بيته عدة أمتار.

انتقل الإنسان المصرى إلى مربع التواصل الاجتماعى بنفس الآفة التى دخل بها، آفة الاستيطانية، بل قُل إن الأداة الجديدة غذّتها بدرجة أكبر فأقعدت الكثيرين بشكل كامل عن فكرة التواصل الواقعى، أو التعليم الحقيقى، أو العمل على الأرض، إلى التواصل والتعليم والعمل الافتراضى. لقد باتت الشخصية أكثر كسلاً وأشد إيماناً بالثبات فى المكان.

ومن كثرة الساعات التى يقضيها المواطن المصرى حالياً داخل مربع التواصل الاجتماعى، فقد باتت كل تصوراته للحياة افتراضية، فى السياسة والاقتصاد والاجتماع والتعليم والإعلام والثقافة والفكر، وغير ذلك، وهو فى كل الأحوال يثرثر بهذه التصورات التى تتشكل لديه نتيجة التعرض للمواقع، لكنه لا يفعّلها فى الواقع، وقد يفرح فقط حين يجد غيره يفعّلها، بشرط أن يكون جالساً فى مواقع المتفرجين على السوشيال.

وليس يخفى عليك فى الختام أن الشخصية المصرية الميالة إلى المظهرية وجدت متنفساً جيداً لها على مواقع التواصل الاجتماعى، لكن المظهرية فى هذه الحالة باتت افتراضية أيضاً، لا تعبر عن حالة واقعية سواء فى الزى، أو أنماط الترفيه، أو الشهادات الدراسية، أو ما يتعلق بالأبعاد المختلفة لمفهوم الأداء، فالصور المفلترة باتت تمنح مظهراً أفضل، والصور المركبة قادرة على الخداع، والشهادات التى لا تساوى ثمن الحبر الذى كُتبت به باتت محل فخر، ومجرد صورة التُقطت مع مشهور تحوّله إلى صديق حميم، أما الأداء المؤسساتى فحدّث ولا حرج، إذ بات يسيطر على العقل المؤسسى مفهوم «الإنجاز الافتراضى» الذى قد تعبر عنه مجموعة صور فى مؤتمر، أو ندوة تناقش موضوعاً لا يغير شيئاً فى الواقع أو على الأرض، لكنه يستحق التهنئة والاحتفاء داخل العالم الافتراضى!.

لقد بات الكثير من المصريين يعيشون داخل «فقاعة افتراضية». 

arabstoday

GMT 05:51 2024 السبت ,06 تموز / يوليو

هنا لندن... هناك واشنطن وهناك طهران

GMT 05:49 2024 السبت ,06 تموز / يوليو

صناعة الزمن التالي

GMT 05:46 2024 السبت ,06 تموز / يوليو

المذهبية و«الإخوان» والأزهر

GMT 05:44 2024 السبت ,06 تموز / يوليو

في الخَمر معنى ليس في العِنب!

GMT 05:41 2024 السبت ,06 تموز / يوليو

قراءة في مذكرات نزار حمدون

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السكون والمظهرية السكون والمظهرية



نجوى كرم تُعلن زواجها أثناء تألقها بفستان أبيض طويل على المسرح

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 07:43 2024 السبت ,06 تموز / يوليو

اكتشاف السبب الكامن وراء الصداع النصفي
 العرب اليوم - اكتشاف السبب الكامن وراء الصداع النصفي

GMT 14:50 2024 السبت ,06 تموز / يوليو

إياد نصار يكشف سبب حبه للشخصيات «التوكسيك»
 العرب اليوم - إياد نصار يكشف سبب حبه للشخصيات «التوكسيك»

GMT 17:06 2024 الجمعة ,05 تموز / يوليو

سوريا تعلن وفاة مستشارة الرئاسة لونا الشبل
 العرب اليوم - سوريا تعلن وفاة مستشارة الرئاسة لونا الشبل

GMT 08:55 2024 الجمعة ,05 تموز / يوليو

ارتفاع كبير في حالات حمى الضنك من حول العالم

GMT 07:43 2024 السبت ,06 تموز / يوليو

اكتشاف السبب الكامن وراء الصداع النصفي

GMT 16:37 2024 الجمعة ,05 تموز / يوليو

سوناك يقر بالهزيمة في انتخابات بريطانيا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab