تخريب الوجدان

تخريب الوجدان

تخريب الوجدان

 العرب اليوم -

تخريب الوجدان

بقلم - د. محمود خليل

تعمد الاحتلال الانجليزي، الذي دهم مصر عام 1882، "تخريب الوجدان" العام بصورة تؤدي إلى إحكام السيطرة على الشعب. يذهب المبدع الراحل "خيري شلبي" إلى أن جانباً من تخريب الوجدان العام اتجه إلى الأغاني، فجاءت كلماتها معبرة عن الانكسار، والضعف، ومذلة الحبيب أمام من يحب، وقد ذكر ذلك في معرض حديثه عن الشاعر الراحل "عبد الفتاح مصطفى" في كتابه "أعيان مصر".

حقيقة الأمر أن مسألة تخريب الوجدان اتخذت أبعاداً أخرى أشد خطورة من الأغاني اعتمد عليها الاحتلال في خلخلة "النفسية المصرية" حتى تصبح طيعة في يده وأميل إلى الاستسلام له. ولا يعني ذلك التهوين من تأثير الدور الذي لعبته الأغاني في تمييع الوجدان المصري، وتربيته على فكرة الاستسلام للحبيب القاهر، والرضاء بالمذلة أمامه: (عزة جمالك فين من غير ذليل يهواك)، والشكوى من حالة الانهيار التي تصيب المحب إذا غضب عليه حبيبه وهجره: (مسكين وحالي عدم من كتر هجرانك.. ياللي تركت الأهل والوطن على شانك).. ولعلك تعرف أن الأغنية الأخيرة التي شدا بها موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب كانت محل نقد من مصطفى باشا النحاس، الذي عاتب المطرب الشهير على الترنم بهذه الكلمات التي تحث الشباب على الضعف والميوعة، وسأله عن معنى أن يقرر الإنسان أن يترك أهله ووطنه بسبب هجر حبيبه له؟لم تمثّل الأغاني وحدها الأداة التي اعتمد عليها الاحتلال في تخريب الوجدان المصري، بل وظّف إلى جوارها أدوات أخرى عديدة، في سياق خطة ممنهجة تستهدف القتل المبكر لأي تمرد شعبي ضده، ودفع المصريين إلى الرضاء بوجوده، والتعاون معه.

وظني أن الانجليز أدركوا أهمية "تخريب الوجدان" منذ اللحظة الأولى التي وضعوا فيها أقدامهم في مصر. فقد دخلوا البلاد على أنقاض ثورة، لفّت البلاد من أقصاها إلى أقصاها، هي ثورة "عرابي"، شارك فيها أطياف مختلفة من المصريين، وكان من ضمن أهدافها المعلنة الإطاحة بالخديوي توفيق من سدة الحكم، بل وطرحت وقتها فكرة تحويل مصر إلى جمهورية.أدرك المحتل منذ اللحظة الأولى ضرورة اللعب في وجدان المصريين، ليتحول من الحالة الصلبة إلى الحالة السائلة، أو من حالة التماسك إلى حالة السيولة.

الوجدان المتماسك هو الوجدان غير المصاب بعمى الألوان في النظر إلى الحياة والأحياء والأشياء، يرى الحياة حلوة وتستحق العيش الكريم، لكنه يعلم أنها ليست بدار خلود. يؤمن بضرورة وجوده بين أفراد يحبهم ويحبونه من الأهل والأصدقاء والأحباء، بنفس الدرجة التي يؤمن بها بأن الحياة لا تتوقف على أحد، يرى في الإصلاح وتحسين شروط الحياة ضرورة تستحق السعي والتضحية من أجلها، وأن من الأهمية بمكان أن يحترم الرموز الساعية إليه ويدعمها بكل طاقته، ويرى أن المصلحين هم النجوم الحقيقيون للحياة، وليس الدجالون أو المهرجون أو الانتهازيون.

صاحب الوجدان المتماسك يتحرك في الحياة بقدر كبير من الثقة في الذات، ويساعده ذلك في الكثير من الأحيان على النجاح، وهو لا ينزعج أو يتجه إلى جلد ذاته في الحالات التي يفشل فيها، بل يتعلم من فشله، لأنه يعلم أن السعي والمحاولة جزء من طبيعية الحياة.في المقابل تجد صاحب "الوجدان المخرب" أو "السائل" عكس ذلك على طول الخط، فكل الأمور في نظره مختلطة، فهو لا يجد غضاضة في أن يعيش "ميتاً بالحياة"، وعلى استعداد لأن يرهن نفسه لآخرين، يذل نفسه لهم ويهدر كرامته على أعتابهم، لا يحب الإصلاح لأن الفساد يعطيه فرصاً أفضل، ونجومه هم الدجالون والمهرجون والانتهازيون، وغيرهم من رموز الحياة الفاسدة.

 

arabstoday

GMT 10:30 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مسرح القيامة

GMT 10:27 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان... و«اليوم التالي»

GMT 10:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا توثيق «الصحوة» ضرورة وليس ترَفاً!؟

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 10:18 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 10:16 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

«فيروز».. عيونُنا إليكِ ترحلُ كلَّ يوم

GMT 10:15 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى شهداء الروضة!

GMT 10:12 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الشريك المخالف

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تخريب الوجدان تخريب الوجدان



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف
 العرب اليوم - دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 08:50 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
 العرب اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية
 العرب اليوم - واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 15:39 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا يوسف تخوض تحديا جديدا في مشوارها الفني

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 17:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 08:16 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف قوات إسرائيلية في الخيام والمطلة

GMT 08:32 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 17:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الشيوخ الأميركي يطالب بايدن بوقف حرب السودان

GMT 23:03 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تكسر قاعدة ملكية والأميرة آن تنقذها
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab