التقنيات التكنولوجية الحديثة ليس من الضروري أن تساهم في صنع الحداثة، فهي أحيانا تستخدم لترسيخ الرجعية!، العقل الذي يحرك التكنولوجيا هو المسؤول، هو الذى يختار، إن كان العقل حداثياً سيحرك التكنولوجيا نحو الحداثة، وإن كان ماضوياً سيحركها للخلف نحو الماضوية والعودة إلى الكهف، أكبر مثال استخدام إيران للذكاء الاصطناعي في مراقبة حجاب النساء.
وهذا ما حكاه «هراري» في كتابه الأخير عن تلك النقطة، فبعد أن أصبحت إيران دولة دينية إسلامية في عام 1979، جعل النظام الجديد ارتداء الحجاب إلزاميا على النساء.
لكن شرطة الأخلاق الإيرانية وجدت صعوبة في فرض هذه القاعدة.
ولم يكن بوسعهم وضع ضابط شرطة في كل زاوية شارع، وكانت المواجهات العامة مع النساء اللاتي يخرجن بدون حجاب تثير أحيانا المقاومة والاستياء، وفي عام 2022 أحالت إيران جزءا كبيرا من مهمة إنفاذ قوانين الحجاب إلى نظام على مستوى البلاد من خوارزميات التعرف على الوجه التي تراقب بلا هوادة كلا من المساحات المادية والبيئات عبر الإنترنت.
وأوضح مسؤول إيراني كبير أنّ النظام «سيحدد الحركات غير اللائقة وغير العادية» بما في ذلك «عدم مراعاة قوانين الحجاب».
وقال رئيس اللجنة القانونية والقضائية البرلمانية الإيرانية موسى غضنفر آبادي في مقابلة أخرى إنّ «استخدام كاميرات تسجيل الوجوه يمكن أن ينفذ هذه المهمة بشكل منهجى ويقلل من وجود الشرطة، ونتيجة لذلك لن تكون هناك المزيد من الاشتباكات بين الشرطة والمواطنين»، وبعد ذلك بوقت قصير، في 16 سبتمبر 2022، توفيت مهسا أميني البالغة من العمر 22 عاما في حجز شرطة الأخلاق الإيرانية، بعد اعتقالها لعدم ارتدائها الحجاب بشكل صحيح.
اندلعت موجة من الاحتجاجات المعروفة باسم حركة «المرأة والحياة والحرية»، خلعت مئات الآلاف من النساء والفتيات الحجاب، وأحرقت بعضهن الحجاب علنا، ورقصن حول النيران.
لقمع الاحتجاجات، لجأت السلطات الإيرانية مرة أخرى إلى نظام مراقبة الذكاء الاصطناعي، الذي يعتمد على برامج التعرف على الوجه، وتحديد الموقع الجغرافي، وتحليل حركة الويب، وقواعد البيانات الموجودة مسبقا، تم اعتقال أكثر من 19 ألف شخص في مختلف أنحاء إيران، كما قُتل أكثر من 500 شخص.
في الثامن من أبريل 2023، أعلن رئيس شرطة إيران أنه اعتبارا من 15 أبريل 2023، ستبدأ حملة جديدة مكثفة لتكثيف استخدام تقنية التعرف على الوجه، وعلى وجه الخصوص، ستحدد الخوارزميات من الآن فصاعدا النساء اللاتي يخترن عدم ارتداء الحجاب أثناء السفر في مركبة، وتصدر لهن تلقائيا تحذيرا عبر الرسائل القصيرة.
وإذا تم القبض على امرأة وهي تكرر المخالفة، فسيتم إصدار أمر لها بإيقاف سيارتها لفترة محددة مسبقا، وإذا فشلت في الامتثال، فسيتم مصادرة السيارة.
وبعد شهرين، في 14 يونيو 2023، تفاخر المتحدث باسم شرطة إيران بأنّ نظام المراقبة الآلي أرسل ما يقرب من مليون رسالة تحذير عبر الرسائل القصيرة إلى النساء اللاتي تم القبض عليهن وهن سافرن دون حجاب في سياراتهن الخاصة، ويبدو أن النظام كان قادرا على تحديد ما إذا كان يرى امرأة دون حجاب وليس رجلاً، وتحديد هوية المرأة، واسترداد رقم هاتفها المحمول.
كما أصدر النظام 133174 رسالة نصية قصيرة تتطلب تجميد المركبات لمدة أسبوعين، ومصادرة 2000 سيارة، وإحالة أكثر من 4000 من «المخالفين المتكررين» إلى القضاء.
نستكمل قصة تجنيد الذكاء الاصطناعي في خدمة الرجعية غدا بإذن الله.