بقلم - خالد منتصر
لايكاد يمر يوم إلا ونجد تنمراً بهمجية وسفالة ووضاعة لم تشهد مثلها مصر من قبل، انتهى عصر ألفاظ «يا هانم ومن فضلك ولو تسمح وممنون واعذرنى»... الخ، وحل محلها الطجرمة وطولة اللسان وعنفوان الدراع!!، وقد رفعت وسائل التواصل الاجتماعى غطاء بلاعة الصرف اللاصحى الاجتماعى لتنطلق كل الهوام والحشرات بألسنتها اللزجة لتخوض فى سمعة وعرض أى شخص وبكل وسيلة وطريقة حتى ولو كانت دنيئة ومزيفة.
الكارثة أن ٩٩٪ من تلك السفالات تصدر من شباب ومراهقين ما بين الخامسة عشرة والخامسة والعشرين من العمر، أى إن هؤلاء هم من سيصنعون مصر القادمة، مصر المستقبل، ويغذيها أفاقون مدّعون تجار وسماسرة، يشعلون الحرائق ويتاجرون فى الرماد.
نرى مثلاً خطوبة بنت الكابتن عصام الحضرى الذى طالما رفعناه على الأعناق وكان سبباً مباشراً فى حصولنا على بطولات كثيرة، دخلت الضباع على صورتها وكتبوا تعليقات ليست بحروف ولكنها بمطاوى قرن غزال وبألفاظ خادشة للحياء بل وتتجاوز أى سقف سمعناه من قبل، نفس الكلام مع الفنانة سوسن بدر وهى تتمايل مع أغنية حسين الجسمى، تعلق عليها بنات المفروض أنهن متدينات ممن يطلقن على أنفسهن ملتزمات، يشتمنها ويسخرن من سنها ويسألن مستنكرات «انت لسة عايشة؟».
تنمر على البدانة، تنمر على قصار القامة، تنمر على ذوى الاحتياجات الخاصة.. الخ، وهكذا طوال تجولك وترحالك فى «الفيس بوك» والإنترنت تجد نفايات البشر تتقيأ أقذر الألفاظ. صار الجو مسموماً، وصارت البلطجة سيدة الموقف، وفقدنا أى سيطرة على قاموسنا اللفظى، فصرنا نسمع الشتائم «لايف»، وصار أكبر شير وانتشار هو لفيديوهات القباحة والردح!!، الكل يتفاخر بطول لسانه وقدرته على تشريح البشر وابتزازهم بالشتيمة، صارت «الغجرية ست جيرانها» بالفعل.
حالة تنمر جماعى مخجلة، جعلت صورة المجتمع غابة ينتصر فيها المخلب والناب، صار التجريح شطارة، والسباب مهارة، وقلة الأدب سلاحاً ماضياً فعالاً وناجحاً.
ماذا حدث للشعب المصرى؟، وأين ذهب الذوق وذهبت الجدعنة والشهامة وعفة اللسان؟، غاب العقل وحضر الرخص وحضرت الدناءة، ما يحدث من تنمر يومى بات علامة خطر مأساوية، فقدنا البوصلة الأخلاقية، والضمير صار الطريق إليه سراباً موحشاً، صارت هناك نشوة لتلويث البشر، وشهوة لتمزيق لحمهم وأكل لحمهم جثثاً.
إذا استمرت ظاهرة التنمر الجماعى بهذا الشكل سنصير من «الزومبى» وأكلة لحوم البشر، سكان الكهوف فى زمن ما قبل الديناصورات، لنرتقِ بلغتنا ونفرح لفرح الناس ونتعلم عدم الحشرية، ولنعرف أن الأخلاق ليست طقوساً بل هى ممارسة وسلوك، فلنلحق أنفسنا قبل فوات الأوان.