مصر النجيبة المحفوظة

مصر النجيبة المحفوظة

مصر النجيبة المحفوظة

 العرب اليوم -

مصر النجيبة المحفوظة

بقلم - خالد منتصر

مَن هو نجيب محفوظ؟ باختصار نجيب هو مصر التى نريد استعادتها، مصر التى تاهت ملامحها مع عشوائيات الزمان والمكان، وخفت نار ونور إشعاعها مع تجريف أخلاقى مرعب حدث على مدى عشرات السنوات من خراب منظومة التعليم وترك الشارع لضباع سماسرة الدين. نجيب محفوظ هو عصارة مصر الحقيقية التى نريد استرداد خلطتها السرية من الصندوق الأسود للزمن، من خزانة ذكريات الماضى القابع فى مغارات على بابا. نجيب محفوظ هو روح مصر ما قبل غزوات الوهابية السلفية، إنسان بسيط معجون بروح الجمالية والحسين، لم يعش ويغش بقناع الملاك الذى لا يخطئ، عاش بوجهه الحقيقى، بل جرب كل شىء، بمعنى كل شىء حتى النساء فى بيوت الهوى، لأنه ببساطة إنسان، والأهم أنه روائى لا يمكن أن يعيش فى صوبة من أوهام المثاليات المستحيلة التى تتعامل مع البشر كروبوتات من فولاذ، بل كان ولا بد أن يمشى فى أوحال الشارع ليعرف تضاريسه، ابن نكتة لا يعرف التجهم، بل إنه مارس مصارعة القافية فى مقاهى الحسين وكان دائماً النجم المنتصر فى كل المنازلات، موظف يقدس الوظيفة، وظل حتى سن الستين موظفاً يأكل عيشه من راتبه المنتظم، وأخلص للرواية نفس إخلاصه للوظيفة، هذا الإخلاص الذى افتقدناه كما افتقدنا روح البهجة المحفوظية، والإنسانية الطبيعية المحفوظية، أطلق عليه محمد عفيفى رجل الساعة من فرط نظامه ودقته، لم يكن مقتنعاً بمسألة أن الفوضى هى أم الموهبة، فقد كان يجلس فى ساعات معينة بالنهار أمام قلمه وأوراقه، حتى ولو لم يكتب حرفاً، فهذه مهمة مقدسة تستحق الاحتشاد والتفرغ، ولأنه خريج فلسفة بالأساس وتلميذ سلامة موسى، فقد ظل حياته يبحث عن الله، عن الضمير، عن الوجود، عما يخفف أو يفسر عبثية الحياة، ظل السؤال مؤرقاً، وعلامة الاستفهام مستفزة، سألها فى «الطريق» باحثاً عن سيد الرحيمى، وفى «أولاد حارتنا» باحثاً عن الجبلاوى، فى «الشحاذ».. إلخ، لم يتكبر على طلب الإجابة حتى من عابرى السبيل وصعاليك الحوارى وفتوات الأحياء الشعبية، وعندما لم يجد ما يكتبه فى فترة ما قبل الثلاثية وضع القلم جانباً وامتنع عن الكتابة سنوات طويلة، فهو كاتب وليس تاجر خردة أو «حانوتى» تحت الطلب. نجيب محفوظ هو مصر التى نريد استعادتها، نجيبة ومحفوظة، مصر المبتهجة التى ابتسامتها مثل نجيب باتساع السماء، العاقلة، الحكيمة الفيلسوفة التى لا تخشى من طرح الأسئلة، مصر منبع الأخلاق التى يمثلها نجيب الذى يتحدث إلى الطفل والمتسول والخفير بادئاً كلامه بكلمة «حضرتك وأفندم وهانم»، مصر التى تعرف أن الحكومات ليست وظيفتها أن تدخل الناس الجنة، مصر المنفتحة على كل الثقافات مثل نجيب الذى تسللت إلى خلاياه كتابات ديستوفسكى وتولستوى وفوكنر وهمنجواى وأدباء العبث والوجودية.. إلخ. مصر نجيب الذى لم يسأل أحداً طيلة حياته عن ديانته فهو ابن «الوفد» الذى شكَّل وزارته من المسلم والمسيحى واليهودى أيضاً.

إلى نجيب محفوظ فى ذكراه، نريد مصرك التى ودعتها وهجرتها وهى لن تودعك أو تهجرك، لأنك فى سراديب الروح ونواة العقل وشغاف القلب، نحتاج فقط لإزالة الغبار عن سطح الروح ليظهر لنا «نجيب» محفوظاً وحياً.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصر النجيبة المحفوظة مصر النجيبة المحفوظة



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 04:57 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة
 العرب اليوم - زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 00:21 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

مشروب طبيعي يقوي المناعة ويحمي من أمراض قاتلة
 العرب اليوم - مشروب طبيعي يقوي المناعة ويحمي من أمراض قاتلة

GMT 14:11 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

محمد سعد يشيد بتعاونه مع باسم سمرة ونجوم فيلم "الدشاش"
 العرب اليوم - محمد سعد يشيد بتعاونه مع باسم سمرة ونجوم فيلم "الدشاش"

GMT 05:19 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

جنوب السودان يثبت سعر الفائدة عند 15%

GMT 19:57 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 09:06 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

القضية والمسألة

GMT 09:43 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

استعادة ثورة السوريين عام 1925

GMT 09:18 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الكتاتيب ودور الأزهر!

GMT 10:15 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لماذا ينضم الناس إلى الأحزاب؟

GMT 18:11 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

النصر يعلن رسميا رحيل الإيفواي فوفانا إلى رين الفرنسي

GMT 18:23 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

حنبعل المجبري يتلقى أسوأ بطاقة حمراء في 2025

GMT 21:51 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

انفجار سيارة أمام فندق ترامب في لاس فيغاس

GMT 22:28 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

27 شهيدا في غزة ومياه الأمطار تغمر 1500 خيمة للنازحين

GMT 19:32 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

صاعقة تضرب مبنى الكونغرس الأميركي ليلة رأس السنة

GMT 10:06 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

صلاح 9 أم 10 من 10؟

GMT 08:43 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

باكايوكو بديل مُحتمل لـ محمد صلاح في ليفربول
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab