كيسنجر والشرق الأوسط لعبة القدر

كيسنجر والشرق الأوسط.. لعبة القدر

كيسنجر والشرق الأوسط.. لعبة القدر

 العرب اليوم -

كيسنجر والشرق الأوسط لعبة القدر

بقلم - إميل أمين

هل كان الشرق الأوسط ذات مرّة في أوائل سبعينات القرن المنصرم، على موعد مع ثعلب السياسة الأميركيّة، هنري كيسنجر، ذاك الذي رحل عن عالمنا قبل بضعة أيّام، وهل كان ذلك الموعد منعطفًا لتغيير شكل المنطقة، وبداية حقبة جديدة من السلام بعد الحروب؟
يبدو كيسنجر قولاً واحدًا أنّه كان رجل الأقدار لهذه المنطقة المثيرة والخطيرة من العالم، منطقة الشرق الأوسط، ولعل الغريب والعجيب في ذات الوقت، كونه في الأصل كان بعيدًا إلى أبعد حَدٍّ ومَدّ من فهم هذه المنطقة، والتي لم يتعاطَ معها بالمرة، سِيّما أنّ رسالته العلميّة كانت عن الزعيم البروسي الشهير "أوتو فون بسمارك"، والكثير من كتاباته تعَمَّقتْ حول السياسيّ ورجل الدولة النمساويّ "كليمنس مترنيخ"، فيما بدا وكأنّه مُنْبَتُّ الصلة بالشرق الأوسط والعالمَيْن العربيّ والإسلامي، دفعةً واحدة.

تبدأ مفاعيل القدر مع كيسنجر، قبل أن تندلع حرب السادس من أكتوبر عام 1973، فقد تمّ تعيينه وزيرًا للخارجيّة في إدارة الرئيس ريتشارد نيكسون الثانية، بعدما شغل منصب مستشار الأمن القوميّ لسنوات.

كيف يتصَرّف كيسنجر، والمطلوب منه أن يتَوَجّه إلى مصر وإسرائيل في محاولةٍ لإخماد نيران المعركة، وقبل أن تتطوَّرَ إلى مواجهة كبرى بين السوفيت والأميركيّين، على الأرض، فقد كانت هواجس حرب السويس 1956 باقية بعد في الأذهان؟مؤكَّدا أنّ هناك مَن أنقذ كيسنجر بالفعل، ولم يكن سوى شاب باحث لم يتجاوز السابعة والعشرين من عمره، سيكون له مستقبل واعد فيما بعدُ، كان اسمه "ريتشارد هاس"، من مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك، والذي أقنع كيسنجر بأنّ الشرق الأوسط كيف التعامل معه من خلال نظريّة "الخيمة والسوق"، وهي باختصار تفيد بأنّ سَيّد القبيلة الجالس في الخيمة هو المسؤول عن إدارة شؤون البلاد والعباد، وأنه لا مؤسَّسات تشارعه أو تنازعه، وطريقة التعامل الفضلى معه، تتمثّل في الجدل اللفظيّ والفكريّ ليصل المرء إلى أفضل نتيجة.

فهم كيسنجر الدرس سريعًا، ولعلّ هذا ما مَكَّنه من إقامة علاقة قويّة جدًّا مع الرئيس المصريّ الراحل أنور السادات، والذي دَرَجَ على وصفه بـ"صديقي كيسنجر".

أمّا عن علاقاته مع الجانب الإسرائيليّ، فحَدِّثْ عنها ولا حرج، ويكفي القول إنّه الرجل الذي عمل بأسرع ما يمكن على استنقاذ إسرائيل من الزلزال المصريّ الذي هَزّ أساساته، عَبْر ما عُرِف بالجسر العسكريّ الجويّ.

بعض التساؤلات الأكثر إثارة في سيرة هذا الرجل، تُوَضِّح لنا خطورة "من يوسوس في أذُن الملك"، ذلك أنه في أحيان كثيرة "أخطر من الملك"، والتعبير يعود إلى حقبةالمَلَكيّة الفرنسيّة والكاردينال ريشيليو، رجل السياسة الداخليّة الأشهر والأمهر في فرنسا.

هل كان كيسنجر وراء قيام حرب أكتوبر؟

بعض المحللين يُرْجِعون إليه بالفعل نشوب المعركة، استنادًا لما قاله ذات مَرّة للرئيس السادات من أنّه لكي يتحَرَّكَ ملفُّ الصراع المصريّ الإسرائيلِيّ سلما فلا بدَّ من عمل حربيٍّ يقنع الجانب الآخر بأنَّ البقاء على حد السيف إلى الأبد لن يفيد إسرائيل، ومن هنا كانت هذه المعركة.

غير أنّ هذا الطرح تحوم من حوله الشكوك، سِيَّما أنَّ كيسنجر هو من تحَدَّثَ قبل سنوات نافيًا أن تكون حرب أكتوبر، مجرد حرب تمثيليّة بين الجانبَيْن، كما تقول أصوات كثيرة، إذ أقَرَّ بأنّها كانت حربًا حقيقيّة من الجانبَيْن المصريّ والسوريّ، والثقل الأكبر بالطبع كان لمصر التي هَزَّتْ العالم من جَرَّاء عبور المانع المائيّ الخطير، خطّ بارليف.
في الحديث عينه بدا واضحًا أنّ الرجل يمتلك من قدرات المفاوض السياسي البارع الكثير جدًّا، فقد صَرَّح بأنّه نَصَحَ الرئيس السادات بألّا يتجاهل الدور الأميركيّ، وألّا يمضي قُدُمًا في تطوير القتال أو توسيع رقعته، وكانت نصيحته للزعيم المصريّ الراحل:"انتبهوا حربًا لأنكم سوف تحتاجون إلينا سِلْمًا".

نجح كيسنجر تاليًا في عملية فَضّ الاشتباك بين الجيشَيْن المصريّ والإسرائيليّ، عبر ما عُرِف بالجَولات المَكُّوكِيّة، واستطاع بالفعل تهدئة الأجواء، ما قاد لفتح قناة السويس وإعادة الملاحة المصريّة، وتاليًا كانت هناك خطوات ماورائيّة عِدّة، شارك كيسنجر في كواليسها، أدَّتْ إلى زيارة السادات للقدس والتوَصُّل لاحقًا لاتفاقية كامب ديفيد عام 1979، حتّى وإن كان كيسنجر خارج تشكيل إدارة الرئيس كارتر، لكنه كان وسيظل لعقود طوال العقل المُحَرِّك لما يجري في الكثير من البقاع والأصقاع حول العالم عامّةً وفي الشرق الأوسط خاصّةً.

في كتابه الأخير "سيد اللعبة.. هنري كيسنجر وفن دبلوماسية الشرق الأوسط"، يخبرنا الدبلوماسيّ الأميركيّ "مارتن إنديك" مؤلّف هذا العمل المهمّ، أن الشرق الأوسط هو من أطلق طاقات كيسنجر الدبلوماسية بشكل هائب، ذلك أنه أثناء أزمة حرب أكتوبر 1973، تمكن كيسنجر من المراوغة بمهارة فائقة لتحقيق أربعة أهداف طموحة ومتناقضة إلى حَدٍّ ما في آنٍ واحد، ضمان انتصار إسرائيل كحليفٍ لأميركا على القُوّات المصريّة والسوريّة المدعومة من الاتحاد السوفيتيّ، ومنع ووقوع هزيمة فادحة للجيش المصريّ حتّى يتمَكَّن زعيمه من الدخول في مفاوضات سلام مع إسرائيل تعيد له جزءًا من الأرض، وإثبات أنّ الولايات المتحدة الأميركيّة هي وحدها القادرة على تحقيق نتائج للعرب على طاولة المفاوضات، وأخيرًا الحفاظ على "الانفراجة في العلاقات مع موسكو"، رغم أنّه كان يعمل على تقويض النفوذ السوفيتيّ في منطقة الشرق الأوسط.

كانت هذه البراعة- وإن كانت مؤقَّتة في بعض الأحيان- هي سبب بزوغ نجم دبلوماسية كيسنجر على مسرح الشرق الأوسط، وقد كانت تحَرُّكاته وجهوده مثيرة للإعجاب من جانب الكثيرين، وتنُمّ عن رؤية وإستراتيجية وحنكة فائقة لكبير الدبلوماسِيّين الأميركِيّين، مستعينًا في ذلك بمعرفة بالتاريخ ومهاراته الحدسيّة البديهيّة، وفهمه الدقيق لتوازن القوى المُعَقَّدة في منطقة الشرق الأوسط واستعداده لتحَمُّل المخاطر والارتجال، فضلاً عن قدرته الميكافيلّيّة على نشر أدوات النفوذ المُستمَدَّة من القوة الأميركيّة الهائلة للتعامل بحنكة ودهاء مع زعماء تلك المنطقة المضطربة من أجل تحقيق السلام الشرق أوسطيّ.

ما يُميِّز كيسنجر حقًّا، هو ولاؤه لأميركا طوال الوقت، من خارج أي تشكيل حكوميّ أو رسميّ، وقد عرف الجميع في البيت الأبيض قَدْرَه، وكان رجلهم في الكواليس خاصّة مع الصين.

نصح كيسنجر باراك أوباما في زمن ما عرف بالربيع العربي، بألّا يترك الساحة الشرق أوسطيّة لأعداء واشنطن والمُتحَفِّزين ملء مربعات النفوذ التي ستفقدها واشنطن من جَرَّاء المكائد والدسائس الخلفيَّة، لكن من الظاهر جدًّا أن أوباما لم يستمع إليه.

من يصنع أقدار الأمم والشعوب؟ الأحداث أم الرجال؟
حكمًا الرجال وقد كان كيسنجر، مهما اختلفنا من حوله، أحد هؤلاء الذي ترك بصمة واضحة على السياسات الأميركيّة في الشرق الأوسط بنوع خاصّ.

arabstoday

GMT 07:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 07:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 06:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 06:56 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 06:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 06:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 06:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كيسنجر والشرق الأوسط لعبة القدر كيسنجر والشرق الأوسط لعبة القدر



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعلن عن مكافأة 5 ملايين دولار مقابل عودة كل رهينة

GMT 14:17 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادين نجيم تكشف عن سبب غيابها عن الأعمال المصرية

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف

GMT 08:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

تنسيق الأوشحة الملونة بطرق عصرية جذابة

GMT 09:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات أوشحة متنوعة موضة خريف وشتاء 2024-2025

GMT 06:33 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صهينة كرة القدم!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab