القمة الثلاثية وأوهام تركيا الإمبريالية

القمة الثلاثية وأوهام تركيا الإمبريالية

القمة الثلاثية وأوهام تركيا الإمبريالية

 العرب اليوم -

القمة الثلاثية وأوهام تركيا الإمبريالية

بقلم - إميل أمين

شهدت العاصمة القبرصية نيقوسيا قبل ثلاثة أيام قمة ثلاثية جمعت مصر واليونان وقبرص، من أجل تنسيق المواقف وتوحيد الرؤى تجاه المخاطر التي تهدد مصالحهم، وبخاصة في ظل ما أطلق عليه رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس «أوهام تركيا الإمبريالية».
جاءت القمة لتعزيز التعاون المشترك بين هذا الثلاثي الدولي، صاحب العلاقات التاريخية القديمة لشعوب لها جذور وتبادلات ثقافية وتجارية قبل بضعة آلاف من السنين، من زمن هيرودوت أبي التاريخ وزياراته لمصر، ومن عند اليونان الذين نقلوا حكمة المصريين وعلومهم وآدابهم إلى جزرهم.
الاستفزازات التركية – الإردوغانية كان لا بد لها أن تكون حاضرة وفي قلب المشهد، وهي استفزازات لا تتعلق بمياه شرق المتوسط، ومحاولات السطو التركية على ما لا يخصها من ثروات طبيعية في مياه الغير، بل تمتد إلى ما هو أبعد من ذلك، من عند اليمن جنوب البحر الأحمر، إلى محاولات اختراق القارة الأفريقية، ومن العراق وسوريا إلى ليبيا.
وعلى الجانب الأوروبي لا يمكن للمرء أن يتصور عقلاً أو عدلاً كيف أغمض الأوروبيون أعينهم على الآغا العثمانلي الذي يهدد بفتح حدود بلاده على الجانب الأوروبي ليُغرق أوروبا التي تئنّ تحت ضربات «كوفيد - 19 المستجد» مرة أخرى، في طوفان بشري من اللاجئين يجعل نهارها قلقاً وليلها أرقاً، وفي الوسط من هؤلاء حُكماً سيدسّ بضع عشرات الآلاف من إرهابييه.
مهما يكن من أمر فإنه يمكن أن يُنظر إلى القمة الثلاثية الأخيرة بوصفها مبادأة ومبادرة تُنهي زمن الطمع الإردوغاني وغيِّه السادر في المنطقة، وهو مَن يضرب عرض الحائط بقرارات مجلس الأمن الدولي ويسعى لرسم خرائط عشوائية مغشوشة ومغلوطة، ويروّج لخطاب الكراهية في الإقليم وحول العالم، كما يسعى لتوقيع مذكرات باطلة مع جماعات تدّعي حكم البلاد، كما هو الحال في ليبيا.
هل تعني هذه القمة الثلاثية نيات تصعيدية عند أطرافها الثلاثة تجاه تركيا؟
هنا ينبغي التفريق بين فكرة النيات التصعيدية المنطلقة من رغبات هجومية هدفها الاستيلاء على ممتلكات الآخرين من دون وجه حق، وبين بلورة موقف جماعي رادع لا سيما في ظل التخاذل الأوروبي والأميركي دفعة واحدة تجاه الآغا العثمانلي.
لا تسعى مصر واليونان وقبرص إلى المواجهة العسكرية، بل لا نغالي إن قلنا إن إردوغان منبت الجرأة في إطلاق رصاصة واحدة على أيٍّ من الدول الثلاث، مع التفريق بين مصر من ناحية واليونان وقبرص من ناحية أخرى، فالدولتان الأخيرتان عضوان في الاتحاد الأوروبي، وأي اعتداء مباشر عليهما سيمثل اعتداءً على الاتحاد برمّته، وهو ما تدركه أنقرة جيداً. بينما المواجهة مع مصر أمر مختلف تمام الاختلاف، لا سيما أن الذاكرة التركية الجمعية لا تزال تعي تاريخ معارك البحرية المصرية التي دكّت فيها الأسطول العثمانلي دكّاً.
لا دالة لإردوغان على أعمال السياسة والكياسة، أو حفظ المعاهدات الدولية، وما يقوم به من انفلاش للقوة في شرق المتوسط يهدف إلى أمر واحد، هو الحصول على تنازلات من اليونان والاتحاد الأوروبي من أجل حصة في غاز المتوسط ونفطه وبقية ثرواته، سيما أن السماء قد شاءت أن تكون مياهه الإقليمية فقيرة إلى حد الجدب من هذا وذاك، وهذه حكمة ربانية وإرادة عُلوية، يُسأل فيها الخالق وليس المخلوق في القاهرة ومروراً بأثينا وصولاً إلى نيقوسيا.
هل تأتي هذه القمة لتزيد من الخسائر الإردوغانية إقليمياً ودولياً؟
الذين قُدر لهم متابعة ردّات الفعل الأميركية على تجربة إطلاق الصاروخ الروسي «إس 400»، وثورة الغضب من أعضاء الكونغرس ومطالباتهم بتوقيع قانون «كاتسا» على إردوغان، يدركون أبعاد الإشكالية التي يعيشها الرجل، والفخ الذي وقع فيه من جراء غروره الواهي، لا سيما أن القانون المشار إليه يضعه في مرتبة أعداء أميركا. وقد أشار روبرت مينينديز أكبر عضو ديمقراطي بلجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، إلى أن إردوغان لا يفهم لغة المناشدات، بل لغة القوة، الأمر الذي تجلّى في خطاب ترمب له حين وصفه بالساذج والأحمق وهدده بسحق اقتصاد بلاده، إن لم يُفرج عن القس برونسون المعتقَل بتهمة التجسس، وما كان من الآغا المتوهّم سوى الإفراج عنه صاغراً.
تلفت القمة الثلاثية إلى أن إردوغان يقيم وزناً بالفعل للقوة المترتبة، لا القوة العشوائية، وأن جنرالاته يعرفون معنى الحرب والمواجهة العسكرية، بعيداً عن المهاترات الإعلامية والخطابات الرنانة، وقد وقف الجميع على أبواب سرت والجفرة، حين قال الرئيس المصري إنهما خط أحمر بالنسبة للأمن القومي المصري، ومن يسعى لتجاوزهما عليه تحمل تبعات المواجهة.
تركيا يوماً تلو الآخر تخسر الكثير من مربعات أهميتها التي كانت لها يوماً ما، والرهان على أن الأزمنة لا تتغير وأن الأوضاع الجيو - استراتيجية ثابتة لا تتعدل ولا تتبدل بحكم ثبات الجغرافيا، هو رهان خاسر، فما كان لها من وزن وقيمة في ستينات وحتى تسعينات القرن الماضي، لم يعد اليوم بذات القيمة، وبخاصة في ظل وجود بدائل لوجستية وتقنية عديدة.
رهان إردوغان ولعبه على المتناقضات لن يفيد، فالدول الكبرى تعرف تمام المعرفة كيف تغزل خيوطها وترسم خطوطها معاً، لتخلِّف إردوغان وأمثاله مِن ورائها.
أظهرت القمة الثلاثية العزلة التي تعيشها تركيا؛ فمن «صفر مشكلات» تحولت إلى «صفر أصدقاء»، والأسوأ ينتظرها في ديسمبر (كانون الأول) المقبل خلف باب الاتحاد الأوروبي وقمته المقبلة شريطة أن تصحو أوروبا للأخطار المحدقة بها.
وفيما الاقتصاد التركي ينهار في الداخل، تتوقع المؤسسات الاقتصادية الدولية للثلاثي المصري اليوناني القبرصي نمواً يضع المجموعة ضمن الاقتصادات البازغة في 2020.
الخلاصة: الأوهام الإردوغانية لا تفيد.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القمة الثلاثية وأوهام تركيا الإمبريالية القمة الثلاثية وأوهام تركيا الإمبريالية



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
 العرب اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
 العرب اليوم - يحيى الفخراني يختار التمثيل ويترك مهنة التدريس في كلية الطب

GMT 07:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
 العرب اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 02:56 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

مقتل وإصابة 40 شخصا في غارات على جنوب العاصمة السودانية

GMT 10:42 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

عواقب النكران واللهو السياسي... مرة أخرى

GMT 10:46 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

إيران بين «طوفان» السنوار و«طوفان» الشرع

GMT 07:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 10:22 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

توتنهام يضم الحارس التشيكي أنطونين كينسكي حتى 2031

GMT 10:38 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

المشهد في المشرق العربي

GMT 10:27 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

سبيس إكس تطلق صاروخها فالكون 9 الأول خلال عام 2025

GMT 08:03 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 14:02 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

الاتحاد الإسباني يعلن رفض تسجيل دانى أولمو وباو فيكتور

GMT 11:47 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

كيروش يقترب من قيادة تدريب منتخب تونس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab