أميركا البابلية ومفارقات انتخابية

أميركا البابلية ومفارقات انتخابية

أميركا البابلية ومفارقات انتخابية

 العرب اليوم -

أميركا البابلية ومفارقات انتخابية

بقلم - إميل أمين

تبدو الولايات المتحدة في الأيام الأخيرة، وبغض النظر عن الفائز في الانتخابات الرئاسية، أقرب ما تكون إلى أهل بابل القدامى، الذين تبلبلت ألسنتهم ذات مرة، ولم يعد أحدهم قادراً على فهم الآخر.

ما جرى منذ الثلاثاء الماضي، يستدعي من الباحثين قراءات ودراسات معمقة، في الطريق لإعادة فهم أميركا، لا سيما أنها بدت غامضة في عيون أبنائها، فما بال الأمر بالنسبة لبقية شعوب العالم وراء المحيطات.

ولعل بعضاً من المفارقات الانتخابية تكشف لنا جانباً من جوانب المشهد، لانتخابات أقبل عليها أكبر عدد من الأميركيين منذ 120 سنة، أنفق فيها حتى الساعة نحو 14 مليار دولار، لتضحى أكبر حملة انتخابية في تاريخ البلاد، والسؤال لماذا هذا وذاك، وهل بات الأميركيون يدركون حقاً أنها انتخابات مفصلية في تاريخ الولايات المتحدة.

في مقدمة المفارقات في انتخابات 2020، نجد مسألة دعوات واشنطن التي لا تنقطع لدول العالم من أجل تمكين الشباب، في حين أن مرشحي الرئاسة، أحدهما يبلغ من العمر 74 عاماً، والآخر 78، مع الأخذ في عين الاعتبار أن الفئة العمرية التي ستحسم هذه الانتخابات، هي من يطلق عليهم «جيل زد»، وهم المولودون بحدود عام 1996.

من المفارقات المثيرة للدهشة في هذه الانتخابات، فقدان الثقة ببيانات استطلاعات الرأي، فقد بدت وكأنها ضروب وتخمينات لا علاقة لها بالواقع، ولم تصدق إلا نادراً، ما سيؤثر على مصداقية العديد من المراكز الخاصة بها، لا سيما أن النتائج جاءت بالضد والعكس... هل من أمثلة؟

خذ إليك تصويت ولايات الجنوب الأميركي، المعروفة بكثافة أصوات الأميركيين الأفارقة فيها، وقد توقع الجميع أنه وانطلاقاً من الإشكاليات التي جرت الأشهر الماضية، وبعد مقتل الشاب الأميركي من أصول أفريقية، جورج فلويد، فإنها لن تصوت للرئيس ترمب بالمرة، وستذهب الأصوات كافة إلى منافسه بايدن.

غير أن غالبية ولايات الجنوب صوتت لصالح الرئيس ترمب رغم اتهامه بالعنصرية، وكذلك فعلت نساء أميركا، اللواتي قيل عنهن إنهن لن يصوتن لترمب، وامتد الأمر إلى كبار السن، ومع ذلك كله، كان جو بايدن يحصد الأصوات، سواء على صعيد الأصوات الشعبية، أو أصوات الكلية الانتخابية (المجمع الانتخابي).

من المفارقات المثيرة كذلك للتأمل ما جرى في ولاية نيويورك على الساحل الشرقي للبلاد، والمعروفة بكثافة، بل بقوة ونفوذ وفاعلية الصوت اليهودي هناك، وقد كان من الطبيعي أن يكون تصويت هذه الولاية لصالح الرئيس الجمهوري دونالد ترمب، ذلك أنه ما من رئيس أميركي قدم لإسرائيل خدمات جليلة مثلما فعل ترمب، بدءاً من قرار نقل السفارة، ومروراً بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، ووصولاً إلى تسويق مشروع السلام والتطبيع بين إسرائيل والعالم العربي، ومع ذلك فإن ولاية نيويورك صوتت لصالح المرشح الديمقراطي، جو بايدن، ولا يزال البحث عن جواب لعلامة الاستفهام: «لماذا»، جارياً وسط دهشة الجميع!

إحدى أهم وأخطر المفارقات موصولة بفكرة التصويت عبر البريد، تلك التي وصفها الرئيس ترمب بأنها أدت إلى انهيار النظام الديمقراطي الأميركي، بخاصة بعد ظهور خروقات فادحة وفاضحة، لا تليق ولا تستقيم بالولايات المتحدة، الدولة العظمى، ذات الإمكانات المعلوماتية غير المسبوقة.

خذ إليك، على سبيل المثال، لا الحصر، بعضاً من السقطات في دوائر ديترويت بولاية ميشيغان، فقد تم رصد نحو 4788 صوتاً مكرراً، و32519 صوتاً لمواطنين انتخبوا خارج القوائم المسجلة للمصوتين، أما القارعة الكبرى فتمثلت في 2503 أصوات لمتوفين، بينهم اسم يعود تاريخ ميلاده إلى عام 1823.

هل كان الرئيس ترمب على حق حين حذر مسبقاً من أن آلية التصويت عبر البريد سوف تفتح الأبواب واسعة للتشكيك في نتائج الانتخابات برمتها؟

يبدو أن ذلك كذلك قولاً وفعلاً، الأمر الذي فتح وسوف يفتح الأبواب واسعة جداً في الأيام والأسابيع القليلة المقبلة لأصوات الديماغوجيين لتعلو على أصوات العقلانيين.

جرى العرف في انتخابات الرئاسة الأميركية أن يقوم الخاسر بتهنئة الفائز، عبر الهاتف عشية الاقتراع، وبهذا تمضي سفينة البلاد إلى بر الأمان، فهل يمكن أن يفعلها ترمب حال تأكد من خسارته؟

الرجل يرفض بالمطلق التسليم بنتائج كل الولايات التي فاز فيها بايدن، ومن حوله جيش جرار يصل تعداده إلى قرابة 1000 محام ومستشار قانوني من أجل تقديم الدفوع في كل محكمة محلية أو فيدرالية على صعيد الولايات، بهدف الوصول إلى المحكمة العليا في نهاية الأمر.

مفارقة كبيرة بين انتخابات أميركا عام 2000 بين بوش الابن وآل غور، حيث كان التصارع والتنازع وقتها على نحو خمسمائة صوت، في ولاية فلوريدا، فيما الآن الحديث يجري حول ملايين الأصوات، والسؤال هل اتسع الخرق على الراتق، أي أنه من المستحيل إعادة عملية الانتخاب إلى الوراء مرة أخرى أو إلغاؤها وبدؤها من جديد؟

الذين تابعوا الكلمة التي ألقاها الرئيس ترمب من البيت الأبيض، مساء الخميس، بتوقيت واشنطن، أدركوا تمام الإدراك أن الرجل لم يكن يدافع عن حظوظ إعادة انتخابه، بقدر ما عمد إلى تعرية النظام الديمقراطي الانتخابي الأميركي من ورقة التوت التي لا تزال تستر عوراته.

هل الأميركيون أمام مفارقة مرتبطة بالدولة الأميركية العميقة بهدف قطع الطريق على تجربة ترمب، أي تجرؤ شخص ما من خارج المؤسسة السياسية الأميركية على التحدي والوصول إلى البيت الأبيض، ما يعني إفساد خطط ما ورائية غير واضحة للعيان؟

دعونا ننتظر بقية فصول المسرحية التي تجري على خشبة المسرح الأميركي في الآونة الحالية، ولكل حادث حديث.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أميركا البابلية ومفارقات انتخابية أميركا البابلية ومفارقات انتخابية



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:39 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
 العرب اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 08:03 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
 العرب اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 07:49 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
 العرب اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 19:57 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 06:40 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

2024 سنة نجاحات مغربيّة

GMT 06:32 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

هل قرأت افتتاحية «داعش» اليوم؟!

GMT 08:12 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

ممرات الشرق الآمنة ما بعد الأسد

GMT 09:29 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

للمرة الأولى بعد «الطائف» هناك فرصة لبناء الدولة!

GMT 14:10 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

رسميا الكويت تستضيف بطولة أساطير الخليج

GMT 06:30 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

ما تم اكتشافه بعد سقوط النظام السوري!

GMT 11:26 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا يتفقدان سجن صيدنايا في سوريا

GMT 14:14 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 4.7 درجة يضرب مدينة "سيبي" الباكستانية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab