المعلوماتية ومستقبل الحرية والديمقراطية

المعلوماتية ومستقبل الحرية والديمقراطية

المعلوماتية ومستقبل الحرية والديمقراطية

 العرب اليوم -

المعلوماتية ومستقبل الحرية والديمقراطية

بقلم - إميل أمين

في خطاب الوداع الذي ألقاه الرئيس الأميركي دوايت آيزنهاور، في 17 يناير (كانون الثاني)، وقبل أن يترك البيت الأبيض، حذر الرجل من صعود المجمع الصناعي العسكري على الحياة السياسية والديمقراطية في البلاد، واليوم مع المائة يوم الأولى من إدارة الرئيس جوزيف بايدن، يعن لنا التساؤل عن تأثير قوة شركات المعلومات ووسائط التواصل الاجتماعي العملاقة على مسارات الحرية ومساقات الديمقراطية في الداخل الأميركي، وهل الأميركيون أول الأمر والعالم من ورائهم يعيشون أزمنة الديمقراطيات الهشة؟
وسط الجلبة التي حلقت حول نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، وما شابها من لغط، لم يتوقف إلا القلة المفكرة أمام التغول المعلوماتي لوسائط التواصل الاجتماعي في الداخل الأميركي، وحيازتها لما هو أخطر من أن تملكه بمفردها من معلومات وبيانات، وبدا واضحاً أن لديها قدرة هائلة على تشكيل الرأي العام، وبلورة توجهات تصب في صالح ومصالح أحدهم، أو الاختصام من حظوظ الآخر.
جاء إغلاق حساب الرئيس الأميركي السابق على «تويتر»، أول الأمر، ومن ثم على «فيسبوك»، ليطرح علامة استفهام عن مدى توافق هذا الفعل مع حرية الرأي والتعبير أو العكس، ولهجت الألسنة بالتساؤل المر: هل هي مساومة بين الأمن والحريات، تلك الإشكالية التي تشرنقت فيها الولايات المتحدة منذ الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 وحتى الساعة؟
يلفت الانتباه أن الأوروبيين ورغم الخلافات الشخصية العميقة مع الرئيس دونالد ترمب، قد رفضوا هذا التوجه واعتبروه انتقاصاً من حقوق ترمب التي كفلتها له شرعة حقوق الإنسان، في مقدمها حرية التعبير والرأي، فقد تساءل المفوض الأوروبي، تييري بريتون، عما جرى وهل يعبر عن هشاشة الأنظمة الديمقراطية، لا سيما في مواجهة تهديدات شركات التكنولوجيا التي لا تخضع لرقابة كافية؟
لم يكن ترمب فقط هو من تم حظره على بعض من تلك الوسائط، ذلك أنه وسط أزمة الهجوم على الكونغرس في السادس من يناير الماضي، أعلن موقع «تويتر» إغلاق أكثر من 70 ألف حساب مرتبط بنظرية المؤامرة وجماعة «كيوانون».
أما «فيسبوك» فقد أظهر نفسه وكأنه الأخ الأكبر قولاً وفعلاً، إذ قام بإزالة كل المحتوى الذي يشير إلى مفهوم سرقة نتيجة الانتخابات الرئاسية الأخيرة، كما زعم ترمب.
يعن لنا أن نتساءل هل جدلية العلاقة بين من يملك مفاتيح المعلومات، ومنعها، أو منحها، أمر قاصر على الولايات المتحدة فقط؟
المقطوع به أنه وإن كان حظر ترمب على «تويتر» عملاً رقابياً غير مقبول من قبل شركة «تويتر»، إلا أنه لم يكن الأول من نوعه، فهناك دول كثيرة سبقت إلى فعل ذلك، في مقدمها روسيا والصين، الأمر الذي يعطي دعاة الحريات وحقوق الإنسان الحق في اعتبار مثل هذه الشركات الخاصة أفضل أصدقاء للدولة المركزية، ومن عوامل تمكينها عندما يتعلق الأمر بالرقابة.
في عددها لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حملت مجلة «فورين أفيرز» الأميركية، لسان حال مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، أحد أهم مراكز الفكر الأميركي، ملفاً خاصاً جاء تحت عنوان «كيف يمكن إنقاذ الديمقراطية من التكنولوجيا».
المثير في الملف أن كاتبه الرئيسي المفكر الأميركي الشهير فرانسيس فوكاياما، رجل «نهاية التاريخ»، وقد شاركه فيه الباحثان المعروفان، باراك ريتشمان، وأشيش غويل، وقد كانت الخلاصة هي أنه لا بد من العمل الجاد في سبيل إنهاء احتكار شركات التكنولوجيا الكبرى للمعلومات، بوصفها تشكل الخطر بالغ الأثر على الجوانب السياسية، بما في ذلك جوهر النموذج الأميركي، وهو الديمقراطية.
هل انقلب السحر الأميركي على العم سام نفسه؟
يبدو التساؤل غير بريء، وهو كذلك بالفعل، ذلك أنه وقبل نحو عقد من الزمن كانت الشبكة العنكبوتية وأدواتها الكبرى مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب» و«سناب شات» هي أدوات أميركية معتبرة من صناع القرار الظاهرين والخفيين، لخلق عالم ديمقراطي وللمساعدة في نشر نظريات الحرية، وقد لعبت بالفعل أدواراً متقدمة في انتفاضات إيران عام 2019، وقبلها في أوكرانيا وجورجيا، ولا ينسى القارئ العربي ما تسببت فيه تلك الأدوات في الشرق الأوسط، في فترة ما عرف بـ«الربيع العربي»، ويومها بدت التغريدة على موقع «تويتر» أمضى من حد السيف.
كيف انقلب الوضع وباتت تلك الأدوات مهدداً للديمقراطية في أميركا، وتتعالى الأصوات الآن لتغيير أوضاع القوانين الأميركية التي تحمي أصحاب شركات التواصل من تحمل عبء أي مضمون أو محتوى باعتبار الأمر حرية رأي مكفولة للقاصي والداني؟
الجواب نجده في تعبير «غرف الصدى الآيديولوجية»، أو العالم الرقمي الماورائي، ذلك العالم الموازي للعالم الحقيقي، الذي يلقي بظله عليه، بل الأخطر هو أن ما يحدث في الهمس وفي غرف التواصل المنعزلة، بات يمضي إلى الشارع ويؤدي إلى تفاقم الانحياز الطبيعي بين الناس، ويحد من فرص إدارة مناقشات صحية ديمقراطية سليمة.
اليوم يظهر في الأفق الأميركي التأثير الخطير والقاتل للمعلوماتية والمتلاعبين بالعقول من خلالها، إذ أضحوا قادرين على تعزيز الاستقطاب السياسي، وإضعاف قدرة القيادات السياسية والفكرية على صياغة حلول وسط، التي تشكل الأساس الذي يقوم عليه الاستقرار الديمقراطي.
تبدو منظومة الديمقراطية والحريات أمام مفترق طرق، لا سيما وكما أشار إلى ذلك مبكراً الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، الراحل كوفي أنان، في مأزق، حيث التقدم التكنولوجي ماض والديمقراطية أيضاً يجب أن تمضي، لكن كيف يمكن التوافق في ظل أخ أكبر يمتلك كل ما نملك من معلومات...
هذا هو السؤال الكبير الذي يشكل مستقبل الحرية والديمقراطية، والذي يبقى حتى الآن بلا جواب.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المعلوماتية ومستقبل الحرية والديمقراطية المعلوماتية ومستقبل الحرية والديمقراطية



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab