القول الأمين في بيان كبار العلماء السعوديين

القول الأمين في بيان كبار العلماء السعوديين

القول الأمين في بيان كبار العلماء السعوديين

 العرب اليوم -

القول الأمين في بيان كبار العلماء السعوديين

بقلم - إميل أمين

وكأن العالم تنقصه إشكاليات التشارع والتصارع، ولا سيما أنها هذه المرة، مواجهات دوغمائية، تعرف بطبيعتها المطلقة التي لا تقبل فكرة المواءمات، بل تقتضي مواقف حدية لاتصالها بالأديان والمذاهب.
مرة واحدة تنفجر من جديد أزمة الصورة الشائهة التي جرحت شغاف قلوب العالم الإسلامي من قبل، وبدا المشهد أقرب ما يكون لوجود أيادٍ خفية تعمل من وراء الستار لتأجيج المواجهات بين أتباع الأديان وليتحول الفعل الإيماني السامي إلى أدوات استهلاكية في سوق السياسة العالمية، وليذهب سلام العالم والشعوب إلى حيث يشاء له البعض أن يذهب.
تطرح أزمة الصور الكاريكاتورية التي يراها البعض حقاً خالصاً من حقوق حرية الرأي والتعبير سؤالاً جوهرياً؛ هل يتسق وسلام العالم أن تتقاطع حرية الرأي مع الإساءة للمعتقدات الدينية والعقائد الإيمانية للآخر، أياً كان دينه ومعتقده، إن أردنا للبشرية أن تعيش في سلام من دون مواجهات؟
يبدو العناد الأخلاقي سيد الموقف مرة أخرى في الداخل الفرنسي، وهو أمر لا يليق في واقع الحال بأجواء التنوير، وإنما هو تمترس غير محمود وراء علمانية جافة، تعمي بأنوارها المنحولة الآخرين، وتفتح الباب واسعاً أمام ردات فعل أصولية متطرفة، وما بين الفعل ورداته، تبقى هناك حاجة ماسة إلى أصوات عقلانية تسعى لإبطال فاعلية المعارك التي لا فائدة منها ولا طائل من ورائها.

من بين أفضل البيانات العقلانية ذات الرشد والحكمة التي انطلقت في مواجهة «فتنة الصور الكاريكاتورية»، يأتي البيان الذي صدر عن هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، وبلغة بعيدة كل البعد عن الأصوات الزاعقة والرايات الفاقعة، بل عبر لغة تصالحية وتسامحية، لغة تليق برؤية المملكة الجديدة 2030 التي تتطلع إلى وضع المملكة ومن جديد على مسارات ومساقات خدمة الإنسانية في انفتاح إيماني وعصراني محمود أمس واليوم وغداً.
أعقل وأرشد ما في البيان هو أنه لم ينطلق من رؤية تخص ديناً بذاته أو نبياً من أنبياء الله بعينه، بل جاء ليبسط رؤية جامعة ترى أن الإساءة إلى الأنبياء والرسل تخدم أصحاب الدعوات المتطرفة، أولئك الذين يريدون نشر أجواء الكراهية بين المجتمعات الإنسانية.
والشاهد أن المرض العضال الذي تشكو منه الإنسانية في حاضرات أيامنا إنما يتمحور مرة أخرى حول العصبيات الضارة والقوميات السيئة السمعة، ناهيك عن الشوفينيات التي لا تلبث أن تولد حركات عنصرية، وجميعها تصب في خانة مسارات الكراهية، التي تنحو دائماً إلى طريق المواجهات التي تبدأ في الأذهان، ثم رويداً رويداً تضحى حروباً تخلف وراءها القتلى. والقلوب المجروحة تحتاج إلى أجيال لنسيان تداعيات الألم.
البيان المشار إليه لا يتوقف في حقيقة الحال أمام توصيف المشهد على أزمته واحتقانه، وإنما يسعى إلى العقلاء في كل أنحاء العالم، مؤسسات وأفراداً، لإدانة هذه الإساءات التي لا تمت إلى حرية التعبير والتفكير بصلة، وإنما هي محض تعصب مقيت، وخدمة مجانية لأصحاب الفكر السقيم، ذلك القائم على التمايز العنصري والقومي، الأمران اللذان جرّا الوبال على العالم، وتجربة حروب القرن العشرين العالمية ماثلة أمام الأذهان.
تبدو الإنسانية أمام حاجة متصاعدة لإعادة بلورة مفهوم حرية التعبير، ولا يعني ذلك أننا نطالب برقابة خارجية، بل نستدعي الضمير الجمعي للإنسانية، بما يحمل من قيم روحية خلاقة تدفع في طريق احترام مشاعر الآخرين، والتأكيد على أن حرية الرأي متى خرجت عن تلك القيم فإنها تسيء إلى المعنى الأخلاقي للحريات، بل إنها تكاد تعمل على هدم المعنى والمبنى الرائعين وراء القيمة السامية والمقدرة من الجميع، كما تسيء إلى مقاصد التشريعات الدستورية والقانونية التي أكدت ضمان حرية الرأي بأي أسلوب مشروع، ولم تقصد من وراء ذلك إثارة الكراهية والعنصرية بذريعة حرية الرأي، ولا افتعال الصراع الثقافي والحضاري بين الأمم والشعوب.
الذين قدر لهم متابعة البيانات والتصريحات التي خرجت عن المؤسسات السعودية، وكما الحال رابطة العالم الإسلامي، يدرك وعياً ونضجاً راقيين إلى أبعد حد ومدى، الأمر الذي لاقى استحساناً دولياً، فعلى سبيل المثال أيضاً كانت رابطة العالم الإسلامي ترى في بيان لها أن مثل هذه التصرفات، إنما تنسحب وتحسب على أصحابها، ولا تتحملها الشعوب التي تربط بعضها ببعض صلات المحبة والاحترام، واصفة الرابطة نفسها بأنها لا تحمل في قلوب أعضائها نحو الشعوب الأخرى، ومن ذلك أتباع الأديان، إلا محبة الخير لهم، ويصر البيان على مقابلة السيئة بالحسنة.
الرقي الحضاري في التعاطي من قِبل كبار علماء المملكة ورابطتها يذكران القاصي والداني بأن هناك فلسفة قرآنية سامية وراء هذا التفكير... «ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم»، وأن طريق المودات الذي تمضي عليه السعودية في حاضرات أيامنا هو طريق «عمل الحق بالمودة»، الأمر الذي حكماً يأتي بمردودات إيجابية تدفع المخطئ إلى إعادة قراءة خطئه.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القول الأمين في بيان كبار العلماء السعوديين القول الأمين في بيان كبار العلماء السعوديين



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
 العرب اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
 العرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما
 العرب اليوم - رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
 العرب اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 07:53 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab