بقلم - إميل أمين
صباح اليوم، تحتفل المملكة العربية السعودية باليوم الوطني السعودي، الذي فيه تتحتم قراءة التجربة الناجحة، المستمرة والمستقرة عبر تسعة عقود من الزمان، ولا يزال التساؤل الذي يشغل عقل المفكرين والباحثين: كيف فعلها الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، واستطاع بالحكمة والشجاعة توحيد العديد من المناطق على مدى ثلاثين عاماً، كان من أهمها جنوب نجد وسدير والوشم والقصيم والأحساء، فعسير وحائل، وقد تلا ذلك ضم منطقة الحجاز، قبل أن يكتمل توحيد منطقة جازان أخيراً في عام 1930؟
تسعة عقود أثبتت خلالها المملكة أنها رمانة الميزان في الخليج العربي والشرق الأوسط، لا سيما في أوقات الاضطراب الكوني، ولعل هذا ما دفع الرئيس الأميركي روزفلت إلى السعي للقاء الملك عبد العزيز، في فبراير (شباط) 1945 في منطقة البحيرات المرة على متن الطراد الأميركي «يو إس إس كوينسي».
والشاهد أن اللقاء لم يعقد بسبب حاجة الولايات المتحدة الأميركية إلى النفط السعودي فحسب، بل كذلك بسبب الاهتمام الأممي بشخصية الأب المؤسس، الرجل الكاريزماتي، الذي يتمتع بشخصية قيادية، لأرض كانت يوماً ما صحراوية، وتضم بين ثناياها أقدس بقاع الإسلام، وخلال تسعة عقود سوف تتحول من خلال همة أبنائها إلى القمة بمختلف أصعدتها المالية والاقتصادية، الصناعية والسياحية، الإنسانية والأخلاقية.
أدرك الغرب الفاعل والناجز في القرن العشرين، وتحديداً في النصف الأول منه الأهمية الاستراتيجية للمملكة العربية السعودية، ذلك أنه وعلى الرغم من أن المملكة اتخذت الحياد موقفاً من الأمم المتناحرة خلال الحرب العالمية الثانية، فإن ميلاً واضحاً نحو الحلفاء كان بادياً، ولو بهدوء العقلاء الحصفاء الذين يقدرون لأرجلهم قبل الخطو موضعها وموقعها، ولهذا سمح عبد العزيز طيب الله ثراه لبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية بالتحليق فوق الأراضي السعودية، وهو ما قصر المسافة التي كان على طائرات الحلفاء قطعها على نحو ملحوظ، كما سهل الدعم السعودي جهود إعادة التموين السوفياتية التي كان الحلفاء يقومون بها عن طريق الخليج.
يتساءل المراقب المعاصر:«كيف اكتسبت المملكة الوليدة في ذلك الوقت تلك الأهمية الفائقة في المنطقة؟».
ربما نجد الجواب عند يمس بيرنز وزير خارجية الرئيس روزفلت، الذي أشار في مذكراته إلى أن رئيسه كان مصمماً في ضوء موقع السعودية الاستراتيجي، وأهمية موارد السعودية النفطية، ومنزلة الملك عبد العزيز في أرجاء الوطن العربي، على الارتباط بشراكة قوية مع المملكة، شراكة تحقق مزايا للبلدين، الأمر الذي أثبتت الأيام صحته ونجاعة توقعه.
والثابت أن المملكة وكما لعبت دوراً تقدمياً مهماً في زمن الحرب العالمية الثانية، فإنه قدر لها كذلك أن تلعب دوراً أهم في زمن الحرب الباردة تلك التي طالت إلى ما يزيد على أربعة عقود، وفيها كان الاعتماد الأميركي الكبير والواضح على النفط السعودي، لا سيما من أجل إعادة إحياء أوروبا الغربية، تلك التي دمرتها الحرب الكونية، وقد وجدت واشنطن حاجتها إلى النفط المراد به ومنه إعادة إحياء أوروبا عبر مشروع مارشال متوافر لدى المملكة، كما أنه حين تخطى الطلب الأميركي الإنتاج المحلي، أصبح النفاذ إلى النفط السعودي مصلحة استراتيجية ملحة أكثر من أي وقت مضى.
وضع الموقع الاستراتيجي المملكة على القمة منذ الخمسينات وحتى انهيار الاتحاد السوفياتي، إذ شكلت المملكة حائط وجدار صد عقدياً وآيديولوجياً في مواجهة المحاولات المستمرة والمستقرة من النظام الشيوعي لنشر أفكاره في الشرق الأوسط، وقد كان الزاد الإيماني والإنساني للمملكة وقادتها، معيناً لا ينضب في مواجهة معركة العقول والأفكار، الأمر الذي اعتبرته الولايات المتحدة الأميركية بنوع خاص، وأوروبا بشكل عام، إحدى أهم الآليات التي ساعدت رغم طول زمن التحدي في كسر المعتقد الشيوعي، وتجاوز الطروحات والشروحات السوفياتية التي كانت تجد انتشاراً في أماكن أخرى حول العالم.
يحتاج الحديث عن المرحلتين المتقدمتين إلى حبر كثير يسال على الورق، وبما يتجاوز المسطح المتاح للكتابة، غير أنه لا بد لنا من أن نفسح مجالاً للمملكة وهي على عتبات العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، وحيث العالم يشهد حالة اضطراب لا تقل هولاً عن الحروب السابقة، وإن جاءت القلاقل من جراء الأوبئة، كما الحال مع فيروس «كوفيد - 19» المستجد.
على بعد أسابيع قليلة، ستكون المملكة محط أنظار العالم لاستضافتها قمة العشرين، حيث التنادي هذه المرة لأجل إنقاذ العالم من تبعات الكارثة الصحية، ومحاولة انتشال العالم من وهدة الاقتصاد المعولم الذي بات عرضة لسهام الأزمات بأكثر من أي وقت مضى، عطفاً على التفكر والتدبر في كوارث التغير المناخي، لا سيما الاحتباس الحراري الذي بات سيفاً مسلطاً على رقاب البشرية والمهدد بغرقها وربما إبادة الجنس البشري.
المملكة الساعية عبر رؤية 2030 التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان سيقدر لها تسنم القمة من جديد، عبر العمل والأمل الجادين في الحال والاستقبال.