عن السلام العالمي والذكاء الاصطناعي

عن السلام العالمي والذكاء الاصطناعي

عن السلام العالمي والذكاء الاصطناعي

 العرب اليوم -

عن السلام العالمي والذكاء الاصطناعي

بقلم - إميل أمين

هل بات حديث الذكاء الاصطناعي أحد محددات السلام العالمي، لا سيما في ظل التطورات السريعة التي تجري بها التقنيات التكنولوجية، يوماً تلو الأخر، وبصورة غير مسبوقة؟

من الواضح أن هذا الطرح بدأ يشاغب عقول القيادات السياسية والدينية على حد سواء، لا سيما في ظل عالم قلق نهاراً وأرق ليلاً، ينظر للماضي في خوف، وللمستقبل في توجس.

من هذا المنطلق اختار البابا فرنسيس الحديث عن العلاقة العضوية بين الذكاء الاصطناعي وحالة السلام الأممي، موضوعاً لرسالته ليوم السلام العالمي، والواقع في الأول من يناير (كانون الثاني) من كل عام.

ما الذي يدفع الكرسي الرسولي في الفاتيكان لاختيار الخوض في عمق هذه الإشكالية المثيرة؟

يقول البابا: «إن التقدم الملحوظ الذي حققته تكنولوجيا المعلومات الجديدة، وخاصة في المجال الرقمي، إنما هي فرص مدهشة، وفي الوقت نفسه مجازفة خطيرة، ولها آثار جدية في السعي لتحقيق العدل والوئام بين الشعوب».

من هنا يبدو جلياً حتمية طرح الأسئلة الملحة، وبخاصة عن العواقب المترتبة على تلك الفرص في المديين القريب والبعيد للتكنولوجيات الرقمية الجديدة، وماذا سيكون تأثيرها على حياة الأفراد والمجتمع وعلى الاستقرار الدولي والسلام.

تبدو أدوات الذكاء الاصطناعي في أعين بابا روما مثيرة للقلق، وبخاصة حال فهمنا أن المفهوم الأساسي لها يقودنا في طريق كوكبة من الحقائق المختلفة، ولا يمكننا أن نفترض بداهة أن تطورها سيقدم مساهمة مفيدة لمستقبل البشرية وللسلام بين الشعوب، كما أنه لن تكون هذه النتيجة الإيجابية ممكنة إلا إذا أثبتنا أننا قادرون على التصرف بمسؤولية وباحترام القيم الإنسانية الأساسية، مثل «الشمولية والشفافية والأمن والعدالة والسرية والثقة».

يخشى العالم برمته في حقيقة الأمر حالة الانفلات التي يمكنها أن تسود بين مصممي الخوارزميات والتقنيات الرقمية، والتصرف بطريقة غير أخلاقية أو مسؤولة، وللمرء أن يتخيل مآلات العالم حال وصلت تلك الأدوات - وهي واصلة بالفعل – لأيدي أناس منزوعي الضمير، وكيف لهم أن يحولوا العالم جحيماً مقيماً؛ ما يجعل أفلام هوليوود التنبؤية والاستشرافية، أحداثاً واقعية فوق سطح كوكبنا المتألم بأقصى درجة.

لا سلام من دون احترام كينونة كل إنسان، ومن هذا المنطلق يقترح البابا التفكير بجدية في إنشاء هيئات مسؤولة عن دراسة القضايا الأخلاقية المترتبة على ذيوع وشيوع أدوات الذكاء الاصطناعي، وحماية حقوق الذين يستخدمون بعض أشكال الذكاء الاصطناعي أو يتأثرون بها.

من هنا تقطع رسالة هذا العام، بضرورة الربط الواضح بين التوسع الهائل في مسارات التكنولوجيا، وبين مساقات التدريب على المسؤولية، وهي معادلة أخلاقية فلسفية قديمة تصل بين الحرية المتاحة، وبين تبعاتها الأخلاقية والإيمانية.

هنا يبدو واضحاً أن الحرية والعيش معاً بسلام يتعرضان للتهديد عندما يستسلم البشر لتجارب الأنانية والمصلحة الشخصية والجشع في الربح والتعطش إلى السلطة، ولذلك يقع على عاتقنا - يقول فرنسيس - واجب توسيع، الرؤية وتوجيه البحث العلمي والتقني إلى تحقيق السلام والخير العام، في خدمة التنمية المتكاملة للإنسان والمجتمع.

لماذا هذه النظرة التقدمية من كبير المؤسسة الرومانية الكاثوليكية، للعالم القادم تكنولوجياً؟

الجواب ومن عندياته، أن التطورات التكنولوجية التي لا تؤدي إلى تحسن نوعية حياة البشر جمعاء، بل عكس ذلك تؤدي إلى تفاقم عدم المساواة والصراعات، لا يمكن اعتبارها تقدماً حقيقياً.

ولعل القارئ المحقق والمدقق لرسالة فرنسيس في مناسبة اليوم العالمي السابع والخمسين للسلام، يدرك بشكل مؤكد التقاطعات والتجاذبات التي نشأت وستنشأ عما قريب بين أدوات الذكاء الاصطناعي، والكثير من العلوم الحياتية المهمة الأخرى.

سوف تزداد أهمية الذكاء الاصطناعي، مع زيادة التحديات التقنية، تلك القادرة على تحويل العالم جنةً ورخاءً، أو تشعله ناراً ودماراً، كما حدث مع أبحاث الذرة وانقساماتها تارة، واندماجاتها تارة أخرى.

والثابت أيضاً أن سرعة منطلقات الذكاء الاصطناعي، والرقائق المتطور، والحوسبة الكمومية، تخلق تحديات أنثروبولوجية وتربوية واجتماعية وسياسية، فهي تعدنا على سبيل المثال بتوفير الجهد، وإنتاج أكثر فاعلية، ووسائل نقل أكثر راحة، وحركة متزايدة في الأسواق، فضلاً عن ثورة في عمليات جمع البيانات وتنظيمها والتحقق منها.

غير أن هذه جميعها تلقي علينا بتبعات إدارتها بطريقة تصون حقوق الإنسان الأساسية، وتحترم المؤسسات والقوانين التي تعزز التنمية البشرية المتكاملة.

يطرح فرنسيس تساؤلاً جوهرياً عميقاً في القلب من رسالته هذه: «هل ستحول أدوات الذكاء الاصطناعي السيوف سككاً للحراثة؟

يعني التعبير المتقدم، هل المستجدات التكنولوجية، قادرة على تحويل المكتشفات الحديثة أدواتٍ للحياة، أم أنها ستقودنا في طرق الصراع العسكري المسلح والموت الرابض خلف الأبواب، ساعياً للتسلط على المسكونة وساكنيها؟

يمكن للذكاء الاصطناعي أن يخلق أنواعاً من الحروب الكارثية من خلال أنظمة التحكم عن بعد، ما يعد ضرباً جديداً من ضروب الهاوية التي يحدثنا عنها الفيلسوف الفرنسي إدغار موران، في رسالته القيّمة لنهاية العام، عسى البشرية أن يكون لها آذان سامعة للسمع.

الأمر المثير الآخر الذي نجده طي هذه الرسالة، موصول بالعلاقة بين أدوات الذكاء الاصطناعي وتحديات التربية على السلام وقبول الآخر، هذا إن أردنا للسلام تلك القيمة العظمى أن يسود عالمنا اليوم وغداً وإلى ما شاء الله.

arabstoday

GMT 08:40 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 06:34 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

المصريون والأحزاب

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن السلام العالمي والذكاء الاصطناعي عن السلام العالمي والذكاء الاصطناعي



هيفا وهبي تعكس الابتكار في عالم الموضة عبر اختيارات الحقائب الصغيرة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 11:08 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

أفضل خامات الستائر وتنسيقها مع ديكور المنزل
 العرب اليوم - أفضل خامات الستائر وتنسيقها مع ديكور المنزل

GMT 13:03 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

البطولات النسائية تسيطر على دراما رمضان 2025
 العرب اليوم - البطولات النسائية تسيطر على دراما رمضان 2025

GMT 13:19 2025 الأربعاء ,29 كانون الثاني / يناير

محمد رمضان يستخدم الذكاء الاصطناعي بسبب "نمبر وان"

GMT 03:37 2025 السبت ,01 شباط / فبراير

6 قتلى في حادث طيران جديد شرقي أميركا

GMT 10:21 2025 السبت ,01 شباط / فبراير

حمادة هلال يمازح شياطين مسلسله في رمضان

GMT 12:00 2025 السبت ,01 شباط / فبراير

مقتل 18 جندياً في باكستان على يد مسلحين

GMT 09:50 2025 السبت ,01 شباط / فبراير

تعليق غريب من محمد فؤاد حول حفله بالكويت
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab