اغتيال نووي يفضح أربعة أوهام

اغتيال نووي يفضح أربعة أوهام

اغتيال نووي يفضح أربعة أوهام

 العرب اليوم -

اغتيال نووي يفضح أربعة أوهام

بقلم - نديم قطيش

صار كل تطور أمني في إيران يكشف عن حجم الأعطال المصاحبة للتفكير بالسؤال الإيراني. اغتيال العالم الإيراني محسن فخري زاده، أو «الصندوق الأسود» للمشروع النووي الإيراني كما أصابت في تسميته «الشرق الأوسط»، ليس إلا الضوء الأحدث الكاشف عن هذه الأعطال، التي سأوجزها في أربعة أعطال:
1- الدبلوماسية هي الحل:
في تعليقه على اغتيال فخري زاده، قال المرشح السابق لرئاسة الجمهورية الأميركية بيرني ساندرز، إن الاغتيال «طائش واستفزازي وغير قانوني». وأضاف أنه «عشية تولي إدارة أميركية جديدة السلطة، من الواضح أن الاغتيال يسعى لتقويض الدبلوماسية الأميركية - الإيرانية». ويجزم ساندرز بثقة لا يشق لها غبار، بأن «الدبلوماسية، وليس القتل، أفضل طريق إلى الأمام».
تغريدة ساندرز هي التعبير الأصرح عن فقدان الذاكرة الاستراتيجي الذي يصيب العقل الليبرالي في الغرب، لا سيما الولايات المتحدة، حيال المسألة الإيرانية، وقصر النظر المريع الذي يغلف السردية الليبرالية عن «سحر الدبلوماسية» القادرة على ترويض الوحش الإيراني.
واقع الأمر أن الدبلوماسية التي أنتجت الاتفاق النووي الإيراني، كانت الطريق الفضلى إلى الأمام لقوى الجريمة داخل النظام. فبعد الاتفاق صار الجنرال المقتول قاسم السليماني وجه السياسة الخارجية الإيرانية، وتحولت النخبة المسماة «إصلاحية» إلى مجرد شخصيات هزيلة، تستعيض عن فقدان القدرة على القرار بالحضور الإعلامي الكثيف.
بسبب من الدبلوماسية استفحل التغول الإيراني في الشرق الأوسط، وفاقمت طهران من اعتمادها على الميليشيات المذهبية لتوسعة رقعة الدمار في سوريا والعراق واليمن. ووجد بين النخبة الإيرانية، التي يفترض أن للدبلوماسية دوراً في تهميشها وخفض صوتها، من تبجح باحتلال أربع عواصم عربية، وأن حدود الإمبراطورية الإيرانية هي شواطئ المتوسط من جهة لبنان!
أفاد المتشددون من الدبلوماسية بقدر إفادتهم اليوم من الاغتيال، لا لحسن حظهم؛ بل لأن النظام نفسه بآلياته الدستورية والسياسية وعلاقات مؤسساته لا يسمح للإصلاحيين بأكثر من تزيين النظام الإيراني بصور خادعة ومضللة، في حين أن القرار الفعلي بيد «معادلة الحرس + المرشد»؛ فإيران باتت ديكتاتورية عسكرية بعمامة، أما الإصلاحيون فلزوم ما لا يلزم.
2- الاغتيال سيؤدي إلى حرب أوسع:
على منوال بيرني ساندرز نسج جون برينان، المدير السابق لـ«سي آي إيه» في عهد الرئيس باراك أوباما. في تغريدته؛ جزم برينان بثقة مماثلة لساندرز بأن الاغتيال «قد يستدرج رداً مميتاً وجولة جديدة من النزاع الإقليمي» في الشرق الأوسط.

هي الأصوات نفسها التي لو كانت تمتلك القرار، مطلع العام الحالي، لما أجازت قتل قاسم سليماني؛ بحجة الخوف من الرد الإيراني وإشعال الشرق الأوسط. وهي الأصوات نفسها التي ملأت الفضاء الإعلامي بالتحذير من مغبة الرد الإيراني بعد الاغتيال، ولم تتحلَّ بالحد الأدنى من النزاهة لمراجعة تحذيراتها بعد أن تبين خطلها. فإيران لم ترد على مقتل سليماني بأكثر من رد مسرحي في العراق، بل كانت من الرعب والارتباك والتوتر إلى حدّ أن جنودها أسقطوا طائرة مدنية أوكرانية عن طريق الخطأ، ثم حاولوا التستر على الجريمة قبل الإقرار بها بشكل مهين. كما أن معظم التعليقات الإيرانية الرسمية وشبه الرسمية بعد اغتيال فخري زاده تنطوي على ما يكفي من الإشارات بأن الوقت المناسب للرد سيطول كثيراً. فإيران منهكة وضعيفة ومهانة، تتحالف عليها شتى أنواع الصروف؛ من الانهيار الاقتصادي، إلى وباء «كورونا»، إلى التهاوي المريع في قدرتها على الردع داخل إيران وخارجها. فقواتها وميليشياتها الحليفة تُقصف في سوريا، ومنشآتها تُستهدف داخل إيران، كما حدث في منشأة «نطنز»، أو عملية الكوماندوز البارعة وسرقة الأرشيف النووي في فبراير (شباط) 2018، وأمنها الداخلي مخترق كما يشي الكشف عن قتل إسرائيل الرجل الثاني في «القاعدة» أبو محمد المصري، رغم تخفيه خلف هوية مزورة، والآن اغتيال فخري زاده والفشل في حمايته بعد تهديد علني من إسرائيل بوضعه على لائحة التصفية.
3- لإهانة الشخصية الوطنية الإيرانية مفعول عكسي:
من الأوهام التي لم تجرِ مراجعتها حول إيران ما يتعلق بالدور الذي تلعبه شخصية القومية الإيرانية في رفض التدخل الخارجي أياً تكن حدة الانقسامات الداخلية. ولعل أكثر ما يُبنى عليه لتأييد هذه الفرضية حادثة إسقاط الأميركيين حكومة محمد مصدق عام 1953، وتعزيز حكم الشاه. ساهمت «الدياسبورا» الإيرانية الحاضرة في الصحافة ومراكز الأبحاث الأميركية في إعادة تدوير هذه الفرضية إلى ما لا نهاية حتى صارت مرادفاً موضوعياً للشخصية الإيرانية. بيد أن زيف هذه الفرضية، أو العمر القصير الذي عاشته يكشف عنه مستوى الامتنان العلني والمستمر الذي عبر عنه الإيرانيون بمظاهرات الشكر لفرنسا التي احتضنت الخميني ورعت عودته إلى أرض الوطن في 1 فبراير (شباط) 1979.
أفدح من ذلك ما يكشف عنه اغتيال فخري زاده، من ضيق القاعدة الشعبية للنظام، في مقابل اتساع رقعة المستعدين للتعامل مع الخارج ضده في كل مفصل من مفاصل الدولة الإيرانية. فعملية الاغتيال، بوصفها جزءاً من سلسلة عمليات أمنية معقدة ومتتالية، غير ممكنة من دون مستوى رفيع من التعامل في الداخل، يواكب الرصد والتجهيز والتنفيذ والحماية بعد العملية. ما صح في الخمسينات لا يصح اليوم، لا سيما منظوراً إليه من زاوية الوحشية التي يقاسيها الإيرانيون على يد النظام. ففي أحدث موجة قتل جماعي، قبل نحو سنة تقريباً، أمر خامنئي أجهزته بعمل «أي شيء ممكن» لوقف المظاهرات التي احتلت الشوارع وأحرقت صور المرشد وأزلامه، مجيزاً فصلاً من فصول القمع الوحشي الذي ذهب ضحيته، بحسب وكالة «رويترز»، ما لا يقل عن 1500 شاب إيراني.
4- قتل فخري زاده «المدني» جريمة:
تخلط الدعاية الإيرانية المدني والعسكري، بشكل رث، ورغم ذلك، فإن كثيراً من المراقبين الغربيين يسقطون في هذا الفخ؛ إما عمداً، وإما عن غير قصد.
المعروف عن العالم الإيراني المقتول، بحسب النسخ الكثيرة التي نشرت عن سيرته، أنه يتصدر قائمة المسؤولين الذين لطالما طالبت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مقابلتهم، ولطالما راوغت إيران لعدم تلبية الطلب. أما أجهزة المخابرات الغربية والإسرائيلية فتتعامل معه بصفته لواءً في «الحرس الثوري» وشخصية رئيسية في الجهود الإيرانية لتطوير التكنولوجيا وكسب المعرفة المطلوبة لإنتاج قنابل نووية.
وتفيد تقارير دولية عنه بأنه تسنم في عامي 2002 و2003 منصب المدير التنفيذي في «مشروع آماد» الذي كان يختص، حسب بيانات الوكالة الدولية، بإجراء بحوث متعلقة باليورانيوم ومتفجرات وتحديث الصواريخ لتزويدها برؤوس نووية.
كما ذُكر اسم فخري زاده في قرار أممي صدر عام 2007 بوصفه شخصية متورطة في الأنشطة النووية أو الباليستية في إيران.
أما ردود الفعل على مقتله فتكشف عن أن الرجل كان يحظى بالدعم الكامل من خامنئي.
واقع الأمر أن الدعاية السياسية الإيرانية بعد الاغتيال لم تترك الكثير للمخيلة أو الترجيح، بحيث نشر له ملصق ملون يجمعه مع سليماني المتكئ على رشاش ثقيل، وأبو مهدي المهندس إلى جانبه، في دلالة حاسمة على موقع فخري زاده في المنظومة العسكرية الإيرانية.
اغتيال فخري زاده فرصة لتصويب النقاش حول المسألة الإيرانية والأوهام المرتبطة بها.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اغتيال نووي يفضح أربعة أوهام اغتيال نووي يفضح أربعة أوهام



الملكة رانيا تجسد الأناقة الملكية المعاصرة في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab