الله الهادي يا أبو هادي

الله الهادي... يا أبو هادي

الله الهادي... يا أبو هادي

 العرب اليوم -

الله الهادي يا أبو هادي

بقلم -فؤاد مطر

يتأمل المرء بحسرة في هذا الذبول الذي يعيشه لبنان حيث يحل الموسم الدراسي ولا مدارس كما هو المألوف، ويشمل إقفال أبواب الصيدليات التي اعتاد اللبنانيون على عبارة «نفتح ليلاً ونهاراً» شعاراً تجارياً لها وتتزايد أعداد الأطباء الذين حزموا الحقائب وبدأوا التخطيط لبدائل عمل في عيادات ومستشفيات في أوطان تديرها حكومات صالحة وبالذات في بريطانيا وفرنسا وكندا ودول الخليج. وأما الذين ضاقت بهم سُبل العيش في لبنان فسعي من يستطيع إلى الهجرة سبيلاً يتواصل بعدما لم ينفع مع مَن يديرون الأمور العلاج باللعنات والاعتصامات، ولا حتى التفاعل مع عظات تقال في مناسبة قداديس تقام أو صلاة يوم جمعة باتت هي الأُخرى صعبة التأدية جماعة. وللمرة الأولى يصطحب المتوجه إلى تأدية الفريضة سجادته معه. كما أن التباعد خلال حضور القداديس بات شأنه شأن إبقاء الكمامات على بعض الوجه. وهذه المفروضات التي هي من أجْل اتقاء شرور الجائحة التي حولت معظم حياة اللبنانيين إلى إحباطات من كل نوع لا تنفع فيها المهدئات التي اختفت بعض أصنافها من الصيدليات التي بدورها باتت بين إقفال أو إضراب.
ويتأمل المرء بمزيد من الحسرة كيف أن المصارف أقفلت أبوابها خشية نوعين من الاستهداف لها، استهداف مودعين وضعوا أموالهم على أساس أنها الخزنة الآمنة أو بغرض استثمار مبالغ يعيشون من فوائدها وذلك لأن ضمان الشيخوخة والعجز عن العمل فعل ناقص في إدارة الدولة لرعاياها، وعندما احتاجوا إلى سحْب ما يفي بمتطلبات وتحويلات إلى أبناء وبنات يتابعون الدراسة في جامعات أميركية أو أوروبية، جوبهوا باعتذارات واهية لعدم الدفع. وعندما زلزلت الأرض اللبنانية سياسياً وحكومياً ومقاومة واعتداءات إسرائيلية زلزالها وتوجه اللبناني إلى فرع المصرف الذي يتعامل معه طالباً ما يحتاجه من مال أودعه لكي يزجج ما تحطم من نوافذ ويرمم ما تهاوى من سقوف منزل ويجبر ما تكسر من أذرع أو أرجل، جوبه بالصد لأن تعليمات مصرف الدولة وجهت بذلك. لا يهم أن يحتج قاصد المصرف ولا يهم أنه في شديد الحاجة إلى بعض ماله أو مدخراته. تلك بدعة، انتهت ردود الفعل عليها إلى انعدام ثقة اللبناني بواحد من رموز ازدهاره والنمو المتدرج فيه، التي هي المصارف اللبنانية. وما يروى عن لبنانيين انتهوا فقراء في بيوتهم أثرياء في المصارف التي يتعاملون معها تصلح كأعمال درامية تبثها الفضائيات.
إلى جانب الحسرة التي باتت حاضرة في نفوس أكثرية اللبنانيين وهم يعيشون حالة ذبول الوطن القريبة الشبه بالساعات الأخيرة التي يعيشها مبتلون بمرض لا أمل في الشفاء منه، تراهم يتابعون عبْر الفضائيات أي حال هي عليها مصر وكيف أنها بعدما ارتاحت من هموم المواجهة مع إسرائيل وإبرام سلام معها، من دون أن يلغي ذلك استمرار الصراع السياسي مع الدولة التي تتباهى بالضم والاحتلالات على أنواعها، ها هي المحروسة مصر تعيد بناء نفسها: مدن جديدة. عاصمة إدارية جديدة. مئات المولات والمخازن التجارية الكبرى. ألوف المطاعم والمقاهي على أفضل تأسيس. خطة هندسية لإنهاء ظاهرة العشوائيات وبهدف لخصه الرئيس عبد الفتاح السيسي بعبارة فحواها لن يكون هنالك مصري من دون شقة له في مشاريع عمرانية طموحة. جيش في كامل التأهب إذا كان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يبغي أذى بمصر من الخاصرة الغربية وإذا كان الصديق الأفريقي الإثيوبي لن يتقي الله في عناده فيبقى النيل تستفيد منه إثيوبيا رياً وكهربة ضمن واقع حال البلدين اللذين يجمع النهر الأواصر بينهما ومعهما السودان الذي كلما أبدى حُسْن نية مع الولايات المتحدة ردت على التحية بما يقوي شأن بنيامين نتنياهو قضائياً ويضعف شأن البرهان داخلياً. وعندما يتوارى العناد، لا تعود الأوراق الأميركية على موقفها من فرْض عقوبات على إثيوبيا التي تعاملت باستهانة مع صيغة حل استضاف الرئيس دونالد ترمب من أجلها جلسة تشاوُر استثنائية في بيته الأبيض ضم وزراء خارجية مصر وإثيوبيا والسودان... ووزيره بومبيو صاحب الاقتراح الترويضي.
وعندما يقارن اللبناني بين ما هي عليه حال مصر وحال لبنان المتخم بالسجالات الوطنية لفظاً المغانمية ضمناً بين أهل الحُكْم والسياسة والأحزاب بمختلف موزاييك التسميات في شأن مفاوضات ترسيم حدود بحرية مع إسرائيل استهوت مكاسبها المتوقعة نفطاً وغازاً بعد عمر ربما طويل، فإنه يُكثر من التساؤلات في هذا الشأن. يتساءل مثلاً: لماذا لا ينصهر الطرف اللبناني المتحفظ شكلاً على نوعية التفاوض وسيناريو التحادث مع الطرف المبتهج ببدء التفاوض آخذاً في الاعتبار أهمية التنفيذ العملي بأمل بدء الإنتاج قبل أن ينقضي ما تبقى من زمن الولاية الرئاسية وبحيث يصبح التنفيذ رقماً كاسباً في لوتو التوريث؟
ولماذا لا يتم الاستئناس بالحالة المصرية التي طوت خيار الصراع حرباً مع إسرائيل، مع إبقاء صفحة العمل على إنجاز التسوية الموضوعية والمستندة إلى قرارات دولية قد تتعثر لكن لن تلغيها غواية إدارة أميركية اتخذت من الخطوات والقرارات ما ليس من حقها اتخاذه ووهبتها إلى حكومة إسرائيلية تتعارض أقوال رئيسها كما أفعاله مع ما من شأنه تحقيق تسويات ينشر السلام بموجبها ربوعه على الأرض العربية من مغاربها إلى مشارقها وبينها دول الخليج التي بدأ بعضها يرى في الصيغة المصرية للصراع مع إسرائيل أسلوب تعامل يأخذ في الاعتبار ما يُرسم من خرائط وتسويات على مستوى العالم. ومن شأن إلقاء نظرة على ما جرى بين مصر وإسرائيل نرى أنه رغم مرور ثلاثة وأربعين عاماً على السلام المصري - الإسرائيلي ما زال يفتقد إلى ما يجعل هذا السلام حالة شعبية بمعنى القبول عن اقتناع به وليس مجرد تفاهم بين دولتيْن قضى بوقْف الصراع حرباً بينهما. لا علاقات على الصعيد الشعبي ملحوظة. وأما على المستوى الرسمي فإنها قائمة على قاعدة ثابتة من التحفظ. لا لقاءات على مستوى القمة. وإذا حدثت زيارات فلمناسبات يفرضها واجب العزاء، على سبيل المثال تلك التعزية من جانب الرئيس الراحل حسني مبارك في إسحق رابين في تل أبيب الذي من بني قومه اغتيل. وفي المقابل هنالك حيوية ملحوظة في العلاقة على المستوى الرسمي بين الدولة المصرية والسلطة الفلسطينية واهتمام نوعي في احتواء خلافات بين القوى الفلسطينية. كما لا خروج بل ولا تساهل كما سائر الدول العربية بمَن في ذلك الدول الخليجية التي أخذت بصيغة التطبيع المصرية اقتباساً، في موضوع الحق الفلسطيني دولة مستقلة عاصمتها القدس. وتكاد لا تمر مناسبة كلامية إلا ونسمع مثل هذا العهد يأتي من كل صوب عربي مع تثاقل في قوله من جانب أهل الحُكْم في لبنان الذين يتناسون أن صيغة «مبادرة السلام العربية» ولدت في لبنان، ولن يذويها الهوى الإيراني.
وهنا نرى أن لبنان كما مصر مبرأ إذا هو طور مسألة «التفاوض البحري». فكما مصر استندت في صيغة السلام إلى أنها حققت انتصاراً على إسرائيل في حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، فإن لبنان حقق ومن خلال مقاومة عدة حركات نصراً نوعياً تمثل بإجبار القوات الإسرائيلية على الانسحاب من لبنان.
ما يراد قوله إن مصر وظفت انتصارها بحيث بدأت تعيد البناء تزامناً في الوقت نفسه مع تنشيط حركة التجارة والمشاريع السياحية والانفتاح على العالم الخارجي وتعزيز علاقات لمصلحة مصر الوطن والشعب، مع عدم التساهل في الثوابت الوطنية والعربية التي كادت موجة إخوانية عابرة تعصف بها ثم أمكن بثبات تداركها.
وفي الزمن الذي يتسع في لبنان هامش الكساد تجارة وسياحة وطبابة وأدوية وصحافة وعمراناً ومعها ذبول متواصل للبنان المصارف، وتتزايد أرقام الذين يرممون وجوههم بلاداً تقيهم العوز الذي بدأ يدق أبواب الناس ومخاطر الخوف على جيل الأبناء وجيل الأحفاد... في الزمن إياه وظف المصريون الدولة والشعب صيغة السلام الذي يصون البلاد والعباد أعقل توظيف. وهذا ما كان ضميرياً مأمولاً حدوثه في لبنان بحيث يتم توظيف الانتصار على إسرائيل بما يخدم لبنان الشعب والوطن وليس تجييره للمشروع الإيراني الذي أودى بلبنان إلى الأحوال التي هو عليها فيما الدولة المصرية في الوضع المستقر نظاماً وشعباً لأنها وظفت الانتصار من أجْل السلام الذي تكراراً لا ينهي صراعاً بالحرب ولكنه ينتج التعويض المجزي لمصلحة أصحاب الحق. والله الهادي... يا أبو هادي.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الله الهادي يا أبو هادي الله الهادي يا أبو هادي



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

راجعين يا هوى

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 13:18 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

قطر ترحب بوقف النار في لبنان وتأمل باتفاق "مماثل" بشأن غزة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab