بقلم -فؤاد مطر
إذا صدق خبراء الطقس والمناخ ومعهم خبراء الصحة العامة والفيروسات التي تزداد انتشاراً في أشهر فصل الشتاء... وهؤلاء ليسوا مثل المنجمين الذين يقرأون في الأكف وينطبق عليهم القول الثابت «وكذب المنجمون ولو صدقوا»... إذا صدق الخبراء أولئك وربطْنا توقعاتهم مع إجراءات احترازية وتحذيرات بالغة الشدة بدأت في ألمانيا اتخذتْها السلطات المختصة وأرجأت إلى السنة المتبقي على إطلالة يومها الأول شهر مناسبة الفرح التي ينتظرها الناس، وهي الاحتفالات بميلاد السيد المسيح - عليه السلام، قد يضفي على القمة العربية الدورية بعد أربعة أشهر (28 مارس/ آذار 2022) أهمية تجعلها وهي العادية قمة استثنائية كتلك القمم العربية التي وضعت المسار السياسي العربي على سكة السلامة والتوافق والشروع في كتابة عهد جديد في العلاقات وتنقية الأجواء؛ الأمر الذي أسس لرؤى تثمر بلورة في الاستراتيجيات على أنواعها السياسي والعسكري والاقتصادي.
ولنا على سبيل التنويه القمة العربية الاستثنائية في الخرطوم يوم 29 أغسطس (آب) 1967 قديماً، والقمة العربية التي استضافها الملك سلمان بن عبد العزيز، في الظهران يوم 15 أبريل (نيسان) 2018. وهذه كان انعقادها في إطار دورية الانعقاد إلا أن الملك سلمان وعضده ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، جعلاها استثنائية بامتياز، سواء لجهة الراية التي رفعتْها وهي أنها «قمة القدس». هكذا أراد الملك سلمان أن تكون التسمية. وهكذا من أصْل 23 بنداً لما تم التوافق عليها ركزت تسعة بنود على عدم شرعية اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، ورفْض كل الخطوات الإسرائيلية الأحادية الجانب التي تغيِّر الحقائق وتقوِّض صيغة الدولتيْن بما يحقق السلام، كما رأت ذلك مبادرة السلام العربية في القمة الثالثة التي كانت عُقدت وفق صيغة دورية الانعقاد السنوي في بيروت يوم 27 مارس 2002، وذلك دعماً للوضع اللبناني غير المستقر، لكنها جاءت تتألق في المشهد السياسي العربي بين قمة الخرطوم الاستثنائية التي كانت حصيلتها قرارات اسماً على مسمى، وقمة الظهران العادية التي أثمرت رؤية استثنائية تجسدت في أن المملكة التي استضافت والأشقاء القادة الذين شاركوا يرون أن مفتاح الباب الموصد هو المفتاح المقدسي، يتم حسم مصير القدس عاصمة لدولة فلسطينية منزوعة السلاح في أعلى درجات الطموح أو عاصمة أممية للديانات الثلاث يحرسها كما الحال في الفاتيكان جنود من الأمم المتحدة.
المهم في الأمر هو هل ستنعقد القمة في موعدها، فلا تعصف بالانعقاد الموجة الرابعة من «كورونا» على نحو ما حدث مع القمة التي أرجأت الجزائر استضافتها بأمل أن تتوارى الجائحة نهائياً، وبذلك تنعقد القمة وفي الجزائر المحتفظة بحق الانعقاد.
وهل إن تم التوافق على المشاركة فيها وليس الانعقاد عبْر الشاشات، سيستبق أهل الحُكْم الجزائري الانعقاد بترطيب الأجواء بينهم وبين المغرب والتي حفلت بمفردات كثيرة الحدة من التخاطب... هذا عدا إجراءات تم اتخاذها لجهة عبور الأجواء. إلى هذا الحد تصل الأمور بين الشقيقيْن اللذين لم يخلدا إلى استراحة التحدي على مدى سنوات العقدة الصحراوية!
لو كان برنامج الرئيس التونسي قيس بن سعيّد على غير الفيض الذي هو عليه من التحديات، وإلى درجة الخشية من أن يتقدم التحدي على فضاء التنوير الذي يرنو إلى نشره، لكان ربما بذل من جانبه المسعى الحميد للتوفيق بين الشقيقيْن المغربي والجزائري، وبما يجعل القمة خالية من الألغام.
كما كانت ليبيا لو أنها مستقرة وحسمت أمر الانتخابات الرئاسية لربما أدت واجباً أخوياً يساعد على انعقاد قمة مطالبة بالخروج بقرارات قمة استثنائية. والدور الليبي ممكن في حال نال الفوز مرشح وسطي لا غبار على أجندته، أو استقر الأمر على عقيلة صالح... أو حتى خليفة حفتر أو سيف الإسلام القذافي الذي ربما ترسو سفينة ترشحه التي تقاوم الأعاصير ووصل إلى شاطئ الرئاسة مثخناً بالدوار السياسي والحزبي، ليبدأ بالتالي التجربة الثانية في تاريخ العهود الثورية ابن يترأس ويصون، أو ليصون، أو ليرد الأذى عن تراث، أو مسيرة سنوات حُكْم والده، وعلى نحو التجربة الأولى الراهنة مع اختلاف السيناريو... تجربة الأسد الابن يواصل الترؤس بعد تجربة الأسد الأب.
وحيث التوتر المغربي – الجزائري على حاله، وإن كان شكّل ناراً تحت رماد وظروف كل من ليبيا وتونس على ما هي عليه، يصبح إفصاح الشقيق المغاربي الخامس موريتانيا عن استعداد لبذل المسعى الحميد بين الشقيقيْن المغربي والجزائري أمراً محموداً.
المهم بداية، ألا تعصف الجائحة المتأهبة للانتشار مع أشهر الشتاء بالقمة فتتأجل، ولا تهدأ الأعاصير السياسية العربية المؤمل من القمة تلطيفها قدر المستطاع..
ويبقى في ضوء ذلك توقُّع الخير من قمة مجلس التعاون الخليجي بعد أيام، علها تنظر في أحوال الأشقاء الحائرين في أمورهم، وبالذات في لبنان والسودان وفلسطين وتونس وسوريا. ومن شأن هذه الالتفاتة جعل المشاركين في القمة العربية إن لم توجب الجائحة التأجيل مرة جديدة يخرجون خروج المتضامنين المتكاتفين... والله الهادي. وللحديث بقية.