تدوير الرئاسة اللبنانية  يا لتلك التخريجة

تدوير الرئاسة اللبنانية ... يا لتلك التخريجة!

تدوير الرئاسة اللبنانية ... يا لتلك التخريجة!

 العرب اليوم -

تدوير الرئاسة اللبنانية  يا لتلك التخريجة

بقلم -فؤاد مطر

تربع ابن الطائفة الأرثوذكسية شارل دباس على كرسي الرئاسة في لبنان تحت الانتداب الفرنسي ثماني سنوات بدأت في عام 1962، وعندما انقضى العام الأخير مع بداية اليوم الأول من شهر يناير (كانون الثاني) انصرف عائداً إلى باريس التي فيها زوجته الفرنسية وللعلاج بعدما أصابه المرض، ومع ذلك كان يمنّي النفس بعد الإبلال من المتاعب الصحية بالعودة رئيساً، مستنداً في ذلك إلى أن سُمْعته لدى اللبنانيين كانت طيبة لجهة النزاهة وبساطة العيش حيث كان لا يستعمل سيارة الرئاسة خارج الوظيفة كما كان متقشفاً، ولا حاشية له تكتنز من رئاسته. وهو كما الرئيس الجنرال الأول في تاريخ الرئاسة اللبنانية اللواء فؤاد شهاب، كان يعتاش من مرتبه. ونشير إلى أنه رغم انزعاج البطريرك إلياس الحويك لأن فرنسا اختارت أرثوذكسياً بدل اختيار شخصية مارونية للترؤس، فإن المرجعية الفرنسية الانتدابية تجاوزت الانزعاج وجددت رئاسة شارل دباس أربع سنوات تلت أربعاً. ثم بعد ذلك تبدلت الحال باختيار أحد وجهاء الطائفة المارونية في الثلث الأول من القرن العشرين حبيب باشا السعد، المحسوب على تركيا، كونه أول مسيحي في الشرق الأوسط منحه الباب العالي لقب باشا، وبذلك بات لقبه فخامة الباشا الرئيس. وكما بدعة التجديد من جانب فرنسا لمن يترأس على نحو ما حدث مع الأرثوذكسي شارل دباس، فإن المرجعية الفرنسية التي طيَّبت خاطر البطريرك أنطون عريضة الذي تقلد المنصب الروحي خلفاً للبطريرك الحويك الذي توفي، جدَّدت رئاسة حبيب باشا السعد مرتيْن، سنة لكل مرة. وهذا من أجْل رحابة الاسترضاء ولأن التجديد بدعة غير مستحبة عموماً.
كما الرئيس السلف شارل دباس الذي يظهر على الناس معتمراً القبعة الفرنسية، فإن حبيب باشا السعد الذي كان أول معتمري الطربوش التركي، بين رموز الصفوف المتقدمة من العمل السياسي في لبنان (منهم على سبيل المثال لا الحصر الصلحيان رياض وتقي الدين وصائب سلام). عُرف الرئيس اللبناني الثاني في عهد الانتداب بالنزاهة وعدم توظيف المنصب لاكتناز الثروات، مسجلاً بذلك أنه كما شارل دباس من نسيج الماروني الآخر فؤاد شهاب. ولقد ترك كل من الاثنين زوجته تعيش من معاش تقاعدي زهيد. مثل هذه السلوكيات انطبقت في السبعينات على الرئيس جمال عبد الناصر دون سائر الرؤساء العرب حيث إنه رحل دون أن يترك ثروات، وأن أرملته بقيت حتى وفاتها تعيش من راتب شهري تقاعدي.
غادر حبيب باشا السعد المنصب الذي شغله لمدة سنتيْن (30 يناير 1934 - 20 يناير 1936) وسمعته عطرة. لا تهجمات عليه ولا ألفاظ مسيئة في حقه. ولا كتابات على جدران شوارع بيروت تنال منه. كما لا رغبة في البقاء رئيساً سنة جديدة، وبذلك استحق من جانب الناس ذكْره بالخير.
ثم بدأ العراك السياسي على أشده مع اختيار فرنسا النائب في البرلمان إميل إده رئيساً للجمهورية، كونه ابن عائلة مارونية مرموقة. وكان تعيينه على نحو ما يعيشه لبنان الحاضر منذ أن تم ترئيس الجنرال ميشال عون رئيساً للجمهورية. فكما أن العراك السياسي داخل الطائفة المارونية على أشده بين «القوات اللبنانية» التي يتزعمها الدكتور سمير جعجع و«الكتائب اللبنانية» التي يتزعمها المحامي سامي الجميّل، حفيد مؤسس هذا الحزب المسيحي الماروني في معظمه والابن الثاني للرئيس اللبناني السابع في زمن الوصاية السورية أمين الجميّل، و«التيار الوطني الحر» الحزب الذي أورث الرئيس الحالي ميشال عون قيادة هذا الحزب لزوج ابنته جبران باسيل... كما العراك الماروني الراهن على أشده فإن عراك الثلاثينات والأربعينات بين المتطلع إلى الترؤس بشارة الخوري مستنداً إلى «الحزب الدستوري» الذي يتزعمه في مواجهة إميل إده وحزبه (الكتلة الوطنية) الخالي من أي سلاح كما سلاح بشارة الخوري. وفي جولات العراك السياسي من جانب كليهما كان التخاطب أقل حدة مما بات عليه من جانب سمير جعجع وسامي الجميّل من جهة، والطيف العوني بتنوع رموزه من جهة مقابِلة.
أمضى إميل إده الذي أبصر النور في دمشق خمس سنوات رئاسية مبهرة مع بعض العصف، ورحل تاركاً الإرث الذي هو علة لبنان عند تشكيل الحكومات وفق مادة من ابتكاره وبالتشاور المتوازن مع السيد الفرنسي تضمنتها المعاهدة اللبنانية - الفرنسية وهي 6 و6 مكرر وبموجبها يكون توزيع المناصب على الطوائف. ورغم أسلوبه البليغ عند إلقاء خطاب ما حيث يستحضر فيه أقوالاً مأثورة أو أبياتاً من الشعر، فإن الزعيم «الكتلوي» لم يفعل كخصمه «الدستوري» بشارة الخوري، بمعنى أنه خلال السنوات الثماني التي تلت مغادرته المنصب الرئاسي لم يكتب مذكراته، في حين أن بشارة الخوري كتب المذكرات بعدما بات رئيساً سابقاً ومن دون أن يؤاخذ نفسه في سطور منها رغم ترؤسه الجمهورية الأولى للبنان المستقل يوم 21 سبتمبر (أيلول) 1943 (فيما إميل إده يواصل بما تبقَّى من الهمة تنشيط مكتب المحاماة الذي تخرَّج فيه حقوقيون بارزون) وبقي على مناكفته للرئيس السلف المستضعَف إميل إده. ولطالما لام كثيرون بشارة الخوري لأنه أمر السلطات الأمنية بعدم تشييع جنازة إميل إده من منزله في بلدة صوفر الجبلية (مصيف كبار الشأن السوري واللبناني في العشرينات حتى الخمسينات) كي لا يتحول التشييع إلى مظاهرة شعبية حافلة ضد الرئيس - الخصم بشارة الخوري. وتلك في أي حال ليست السقطة الوحيدة، ذلك أن آخر ثلاث سنوات من ترؤسه شبيهة بعض الشيء لجهة الحاشية وأفعال الحاشيين بمعظم سنوات الرئيس ميشال عون، الرئيس الأول في زمن الوصاية الإيرانية المرصعة بتقاليد الوصاية السورية. يا لسوء أقدار لبنان وطناً وشعباً.
وللحديث بقية.

arabstoday

GMT 03:41 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

ثلثا ميركل... ثلث ثاتشر

GMT 03:35 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

مجلس التعاون ودوره الاصلي

GMT 03:32 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

عندما لمسنا الشمس

GMT 03:18 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

رسالة إلى دولة الرئيس بري

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تدوير الرئاسة اللبنانية  يا لتلك التخريجة تدوير الرئاسة اللبنانية  يا لتلك التخريجة



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:13 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تعليق التدريس الحضوري في بيروت ومحيطها حتى نهاية العام
 العرب اليوم - تعليق التدريس الحضوري في بيروت ومحيطها حتى نهاية العام

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 15:39 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا يوسف تخوض تحديا جديدا في مشوارها الفني

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 17:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 08:16 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف قوات إسرائيلية في الخيام والمطلة

GMT 08:32 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 17:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الشيوخ الأميركي يطالب بايدن بوقف حرب السودان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab