بقلم - حسين شبكشي
أحيى العالم منذ أيام، وبشكل إعلامي مكثف ومركز للغاية، ذكرى أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، والتي أصبحت مشاهدها المصورة أيقونة وأشبه بوثيقة تاريخية للعمل الإرهابي المروع. وأصبح تاريخ الحادي عشر من سبتمبر في حد ذاته تاريخاً مفصلياً بالنسبة للعالم، تغيرت من بعده الكثير من المعطيات والمسلّمات. فدخلت العديد من الأنظمة والقيود والتنظيمات والتشريعات التي أعادت تماماً هيكلة إصدار التأشيرات والسفر وإجراءات الأمن والسلامة، وطالت أيضاً القطاع المالي والمصرفي الذي باتت تعاملاته وإجراءاته أكثر صرامة وأشد تعقيداً؛ فتحت أبواب معركة مواجهة التشدد بكافة صوره بدءاً من المؤسسات التي يحتمي خلفها وصولاً إلى الفكر الذي تتستر خلفه. والمعركة مستمرة.
لقد تركت أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما تلاها من تبعات لافتة ومهمة ومؤثرة العديد من علامات الاستفهام بدلاً من أن تقدم إجابات قطعية وحاسمة ونهائية. فاليوم وبعد مرور عقدين طويلين جداً على تلك الأحداث المفصلية وبداية ما أعلنه الرئيس الأميركي الأسبق وقتها جورج بوش الابن بالحرب العالمية على الإرهاب، بدأت بحرب على أفغانستان لملاحقة تنظيم «القاعدة» الإرهابي الذي تبنى عمليات سبتمبر، واتخذ من أفغانستان مقراً له بغطاء من منظومة طالبان الحاكمة وقتها. ولكن هذه الحرب اتخذت منحى آخر وغريباً حينما اتخذ الرئيس بوش قراراً بغزو العراق تحت نفس الذريعة، أي محاربة الإرهاب، وأضيفت لها لاحقاً ذريعة أسلحة الدمار الشامل، وهما حجتان أثبتت الأيام أنهما من نسيج خيال جماعة المحافظين الجدد التي كانت مهيمنة على صناعة القرار السياسي بالبيت الأبيض.
دفع العالم عموماً ومنطقة الشرق الأوسط منه تحديداً، الثمن المكلف نتيجة قرار غزو العراق غير الصائب، الذي أفرز ولادة مجاميع من الميليشيات الإرهابية المختلفة مثل «داعش» و«الحشد الشعبي» و«عصائب الحق» و«فاطميون» و«زينبيون» واتساع دائرة نفوذ تنظيم «حزب الله» و«النصرة» و«أنصار الله» الحوثية.
قرار الحرب على الإرهاب قام على أسباب وجيهة وموضوعية نتاج كارثة مرعبة أودت بحياة الآلاف من الأبرياء، ولكن شيئاً ما حدث في مراحل تلك الحرب جعل من أجندة جماعة هي المحافظون الجدد تهيمن على القرار السياسي كانت نتيجته أرضية جديدة لإرهاب جديد في العراق. ولم يتوقف الضرر الذي أحدثته جماعة المحافظين الجدد عند هذا الحد، ولكنهم قاموا بإطلاق شرارة الثورات والربيع العربي عندما أعلنت مستشارة الأمن القومي وقتها كوندوليزا رايس بداية مرحلة الفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط، والتي كان أحد أهم بنودها غزو العراق نفسه. ولم تكتف إدارة المحافظين الجدد في حقبة جورج بوش الابن بذلك بل قامت بإخفاء صفحات معينة من التقرير الحكومي الصادر بخصوص التحقيقات المتعلقة بأحداث الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية، بدعوى أنه لحماية المصالح الاستراتيجية مع حليفها المملكة العربية السعودية، ما ولد انطباعاً سلبياً عن دور ما للسعودية في التحقيقات، علماً بأن وزير الخارجية السعودي وقتها الراحل الأمير سعود الفيصل قد أصر وبشدة على الإدارة الأميركية بضرورة الكشف والإفصاح الكامل عن كافة صفحات التحقيقات لأن السعودية ليس لديها ما تخفيه أبداً. وبقيت هذه المسألة أداة ابتزاز للسعودية حتى كشفت الأوراق مؤخراً وتبين أن السعودية لا علاقة لها أبداً بتلك الأحداث.
والآن وبعد مرور عقدين من الزمان تعود طالبان إلى صدر المشهد الرئيسي في أفغانستان وترجع إلى حكم البلاد بعد اتفاق عقدته مع إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب ونفذته بعشوائية إدارة الرئيس الحالي جو بايدن لتترك العالم في حيرة من أمره عن أسباب حصول ذلك الأمر العجيب.
الحرب على الإرهاب مستمرة لما فيه من مصلحة للعالم بأسره، فالعالم سيكون أقرب للسلام كلما ابتعد عن أسباب التشدد والتطرف، ولكن تبقى هناك أسئلة مفتوحة عن التباين في التعامل مع «كافة» التنظيمات الإرهابية بنفس الحدة التي تم التعامل بها مع تنظيم «القاعدة»، وعدم وجود الإجابات المقنعة لهذه الأسئلة يترك المجال لولادة غيرها.
أحداث الحادي عشر من سبتمبر مأساوية بكل المقاييس ولا بد من مراجعة كل ما تم بعدها من قرارات صحيحة وأخرى خاطئة منعاً من تكرارها مجدداً في القادم من الأيام.