ثقافة اللقافة

ثقافة "اللقافة"!

ثقافة "اللقافة"!

 العرب اليوم -

ثقافة اللقافة

بقلم : محمد الرميحي

كنت أعتقد أن مصطلح "اللقافة" هو محلي أو خليجي على الأكثر، ثم تبين أنه عربي الأصل والمنبت. واللقافة هي سلوك من يتدخل في ما لا يعنيه، أو يفتي بما لا يعرف، أو يجهر بما لا يهم الناس. المصريون يسمون هذا الشخص باسم "حشري"، والملقوف هو الشخص الذي يقوم بذلك الفعل. وفي القاموس، الملقوف هو الذي يتدخل في ما لا يعنيه أو سريع فهم ما يرمي اليه الآخر من دون تدقيق، وفي الغالب فهماً خاطئاً، ويطلق التعبير أيضاً على الفضولي والحشري الذي يسائل أسئلة شخصية أو خاصة ليس له شأن بها غير تحقيق شهية "اللقافة".

هذا السلوك، ترى صاحبه في الكثير من المجالس، وهو يتدخل في أي نقاش، يعرف عنه أو لا يعرف، ويطرح موضوعات مختلفة على غير سير النقاش الذي يكون دائراً بين الموجودين، كما يعتقد في نفسه أنه "أبو العريف" الذي يأتيك بالأخبار في الغالب، إما بفهمها خطأ أو تخيلها مما يهوى، ولا علاقة لها بالواقع.

هو شخص محب لذاته أو متضخم الذات كما يقول علماء النفس، أو ذو شخصية استعراضية.

في السابق كان هذا النوع من "الملاقيف" محدود التأثير في المجالس الاجتماعية الخاصة، وضرره في الغالب محدود، اذ يصبح هؤلاء معروفين بين من يختلط بهم وفي جماعات مغلقة فلا يؤبه لما يقولون.

اليوم مع وسائل الاتصال المختلفة أصبح ضرر "الملاقيف" بالغ الخطر، وبخاصة على الناس الذين لا يعرفونهم حق المعرفة، اذ يعتقد الجمهور العام أن ما ينقلونه من أخبار أو تحليلات صحيح.

الأمثلة كثيرة، إلا أن الأخطر هو خلط "اللقافة" بالموروث الديني، اذ يظهر لك شخص يقول إن من يمرض ويطلب الدواء يقع في المعصية وربما في ما هو أشد، ويأتيك ببعض نصوص التراث التي تؤكد من وجهة نظرته العوجاء ذاك الأمر، وهي نصوص مختلقة في الغالب أو قيلت في عصر الظلمات. هذا نوع جديد من "الملاقيف" انتشر في وسائل التواصل وصدّقه الناس. نوع آخر يقنعك أن خلط العشبة الفلانية بالأخرى العلانية، يشفي من المرض الفلاني، ويقسم بأغلظ الإيمان أنه جربها شخصياً وشفي من تلك العلة! وهو نفسه الذي يروج لنوع من المشروبات أو أنواع الأكل ويضيف عليها أشكالاً من المغريات وبخاصة التي لها علاقة بالصحة.

في مجموعات التواصل الاجتماعي المقفلة على مجاميع معينة، يظهر لك ذلك "الملقوف" بوضوح، فهو يعلق على كل شاردة وواردة من ما يقول به رفقاؤه في المجموعة ويعارض ما يقوله الآخرون، ويأتيك إحساس بأن ذلك الشخص لا يفارق هاتفه النقال لا في الليل ولا في النهار، بخاصة إن كنت مشتركاً في عدد من المجموعات، فسوف تراه يظهر لك في جميعها وتقريباً في الوقت نفسه.

شجعت وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة على انتشار "الملاقيف" فيظهر لك شخص ليقول إنه البارحة حلم بالحلم الفلاني... ويصف لك ذلك الحلم، وبخاصة إن كان قد حلم بمشاهير معروفين، ولا يفكر في لحظة في ماذا يهم المتلقي من حلمه الذي هو في الغالب سخيف.

وإذا اقترن فعل "اللقافة" بالتراث تفرج على كمّ من المدعين الذين يحرمون ويحللون ما طاب لهم أو لم يطب لهم من الأفعال، والتي يصدقها البعض من دون تفكير. وهي في الغالب موضوعات سخيفة ومعطلة للعقل، كمثل هل ندخل المنزل بالرجل اليمنى أو باليسرى، وهل نشرب الماء واقفين أو جالسين! وهل تنفر الملائكة من المنزل الذي فيه كلب، وآخر يحلف بأغلظ الإيمان بأن الداعية فلان تستشيره الجن!!!

أما إذا تزامن "الملقوف" مع الإعلام فحدث ولا حرج، يقول بعضهم "انتقلت عمتي الى رحمة الله..."، ولا يعرف هذا المسكين "الملقوف" أن إعلانه لا يعنيه إلا هو وعائلته، وليس للجمهور العام أي علاقة، أو "قررت اليوم السفر أستودعكم الله"، ومن يهمه سفرك أم بقاؤك؟؟

بعض الجنس الناعم يتفنن في "اللقافة" فتخرج لنا سيدة وقد أقامت حفلاً في منزلها في مناسبة خاصة، تنشره على الملأ مخبرة الآخرين بوقوعه وبنوع ما تلبس وتتأنق به، وتنوع ديكور منزلها الجميل، كل ذلك لا يهم معظم المتلقين، عدا "الملقوفين".

تلك بعض العينات عن "الملاقيف" الجدد في وسائل الاتصال الذين يصدعون الناس بموضوعات خاصة بهم لا تهم احداً إلا ذاتهم المتورمة الأنا. إنها ثقافة "اللقافة" التي تنتشر اليوم ولديّ يقين من أن القارئ لديه أمثلة تفوق ما ذكرت!

نحن أمام عملية تكاد تكون ممنهجة لإشاعة الجهل في مجتمعاتنا، أساسها غياب التعليم المنهجي الناقد، وخطورتها في الشأن الاجتماعي والاقتصادي أقل كثيراً من خطورتها القصوى في السياسة، وعلى الأخص في التراث، فكل ما يحدث حدث يخرج لنا "ملقوف" أو أكثر، ليفسره تفسيراً بعيداً عن حقيقته، والأنكى أن كثيرين يصدقونه.
نحن في عصر "ثقافة اللقافة"!

نقلا عن النهار

arabstoday

GMT 05:18 2024 السبت ,27 تموز / يوليو

أمة الرواد والمشردين

GMT 05:16 2024 السبت ,27 تموز / يوليو

يوليو جمال عبد الناصر وأنور السادات

GMT 05:15 2024 السبت ,27 تموز / يوليو

المسلمون والإسلاميون في الغرب

GMT 05:13 2024 السبت ,27 تموز / يوليو

في مدح الكرم

GMT 05:12 2024 السبت ,27 تموز / يوليو

إنها أزمة مصطلحات!

GMT 05:10 2024 السبت ,27 تموز / يوليو

أميركا واختبار «الديمقراطية الجندرية»

GMT 04:33 2024 السبت ,27 تموز / يوليو

لبنان بين حربي 2006 و2024

GMT 04:32 2024 السبت ,27 تموز / يوليو

اطلبوا الوحدة و لو فى الصين !

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثقافة اللقافة ثقافة اللقافة



ميريام فارس بإطلالات شاطئية عصرية وأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 11:29 2024 الجمعة ,26 تموز / يوليو

قصف تركي عنيف علي محافظة أربيل العراقية

GMT 12:19 2024 الخميس ,25 تموز / يوليو

الحيل التي تتبعها أصالة لإبراز خصرها النحيل

GMT 11:58 2024 الخميس ,25 تموز / يوليو

جولة على أبرز أحياء العاصمة باريس

GMT 11:47 2024 الخميس ,25 تموز / يوليو

كارول سماحة بإطلالات راقية وجذّابة

GMT 11:32 2024 الجمعة ,26 تموز / يوليو

أوكرانيا تعلن قصف مطار عسكري روسي في القرم
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab