القيادة السامّة

القيادة السامّة!

القيادة السامّة!

 العرب اليوم -

القيادة السامّة

بقلم : محمد الرميحي

ظهر اصطلاح "القيادة السامّة" في علم الاجتماع السياسي بعد الحرب العالمية الثانية، وكان في البداية يشير إلى ما فعلته النازية والفاشية في مجتمعاتها وحروبها، إذ قادتها إلى الدمار، تحت شعارات نيل حقوقها "المشروعة" في أراضي شعوب أخرى! ومن ثم انتشر المصطلح ليصف انتشار التوجه القمعي في قيادات العالم الثالث الشمولية، وهي دائماً تقود شعوبها إلى الفقر والفاقة والتخلف، تحت شعار "نيل الحقوق" أو "حرب العدو"!

في السنوات الأخيرة، بدأ بعض الكتاب الإسرائيليين يطلقون على قيادة بنيامين نتنياهو لقب "القيادة السامة" التي سوف تقود لدى البعض منهم إلى إفلاس الدولة الإسرائيلية الأخلاقي، وتدمير ما يراه البعض من "ديموقراطية إسرائيلية"، جراء ما تقوم به إسرائيل في غزة من إبادة جماعية ورعب غير مسبوق!

الأربعاء الماضي، وقف نتنياهو أمام الكونغرس الأميركي متحدثاً عن موقف إسرائيل من الحرب على غزة، مستخدماً ألفاظاً جديدة في قاموسه: "إنها الحرب بين الحضارة والهمجية" على حد قوله، مقدماً مفهوماً جديداً للحضارة، وهي قتل أربعين ألف مدني فلسطيني وتدمير مدن غزة وحصار مليون ونصف مليون من البشر، يطاردهم جيش نتنياهو من ركن إلى ركن في ذلك الشريط المقفل والذي اسمه غزة!

للمرة الرابعة، يقف نتنياهو مخاطباً الكونغرس الأميركي، وهو رئيس الوزراء الأجنبي الذي يفعلها أربع مرات. في الثلاث السابقة لم يكن هناك "معارضة" تُذكر لحضوره، هذه المرة اكتظت القاعة بغير الأعضاء!! وفي الوقت نفسه، كانت المعارضة واضحة في الشارع، وفي الإعلام قاطع عدد كبير من أعضاء الكونغرس الجلسة، وحُشدت تظاهرات في خارج الكونغرس تندد بحضوره، ومن بينهم يهود أميركيون. التصفيق للخطاب والذي كان مشاهداً في القاعة، في الغالب هو من نوع "العدوى الجماعية"، وهو تصرف معروف للعاملين في علم النفس. فمجرد أن يصفق عدد قليل من الجمهور، حتى يتبعهم الآخرون! كان نتنياهو يتعمد التوقف عن الكلام بعد كل عبارة لاستدراج التصفيق!

البعض يرى أن خطاب نتنياهو في الكونغرس كان ناجحاً، لكن تلك قراءة مستعجلة، وربما عاطفية. لقد استعان في هذه المرة بكل أدوات الإقناع التي نصحه بها الخبراء، جلب معه بعض عائلات الأسرى، وبعض الجنود الذين أصيبوا في الحرب، وبعض من تم تحريرهم، وكلها أدوات اعتقد أنها مساعدة لإقناع الرأي العام الأميركي المنقسم تجاه الحرب، وسمع كلاماً لم يكن ليسمعه في السابق: أنت تقوّض ما ندعو إليه من حقوق الإنسان. كامالا هاريس كانت واضحة، إلى حد نفي المصادر الإسرائيلية أنها قالت ما قالته، لكنه سُمِع على وسائل الإعلام.

الاستماع إلى الخطاب وقراءة ردات الفعل من معلقين أميركيين وأوروبيين تذهب إلى حد تأكيد "سمات القيادة السامة" لدى نتنياهو، والتي ظهرت بوضوح في ثنايا خطابه في لغة "فوقية" وبعيدة عن الدبلوماسية: مدح الرئيس جو بايدن فأغضب الكثير من الجمهوريين. كما مدح دونالد ترامب، فأغضب كل الديموقراطيين! بل ذهب إلى القول إن إسرائيل تحفظ أمن أميركا وتقدم لها الخبرات التقنية. في الحالة العادية، يعتبر ذلك تدخلاً في شؤون دولة أخرى، إلا أن حجماً وازناً من الساسة الأميركيين، تحت تأثير الضغط الصهيوني المالي، يتجاوزون ذلك الاختراق. كما كال النقد القاسي لمحكمة الجنايات الدولية ونفى قيام حكومته بالإبادة البشرية التي تقوم بها في غزة، وحتى في الضفة! بل وصف المعارضة في خارج القاعة بأنها "مجموعة من الحمقى" تابعة لإيران!

في الغالب، كان الخطاب في معظمه موجهاً إلى الداخل الإسرائيلي، والذي من الثابت أن نتنياهو يخسر فيه قطاعات كبيرة، وأصبح يقيناً لدى شرائح واسعة من المراقبين في الداخل الإسرائيلي وفي الخارج أن إطالة زمن الحرب في غزة هدف أساسي لنتنياهو للبقاء على رأس الحكومة، على أمل أن يحدث تغيير جذري في الولايات المتحدة، وفي الرأي العام الداخلي، يمكّنه من إعلان انتصار ما، والظهور بمظهر مخلّص الشعب اليهودي!

القراءة الحقيقية لخطاب نتنياهو في الكونغرس أنه خطاب "قريب إلى الإفلاس"، وتعبير حديث وواضح للقيادة السامة التي تتكشف أهدافها للعالم، وتظهر نيّاتها في استئصال شعب من أرضه، وتتوجه الدول، حتى بعض الغربية منها، إلى إدانة الإبادة الإسرائيلية في غزة، لعل آخرها ما صرحت به الحكومة البريطانية في الأسبوع الماضي أن الحكومة الإسرائيلية "انتهكت القانون الدولي في غزة"، وأنها ستفعّل قرارات محكمة الجنايات الدولية، في مفارقة واضحة لما ذهبت إليه حكومة المحافظين من اصطفاف مع الموقف الأميركي!

على مقلب آخر، نشهد فقراً شديداً في مخاطبة الفلسطينيين للرأي العام العالمي. فالفرقة تضرب إسفينها بينهم، والخطاب العاطفي، وفي بعض الأوقات "الخرافي"، هو الطاغي وينتشر على بعض ألسنة القادة، و"الضمور الديموقراطي" في مؤسساتهم مشاهد، وعدم وضوح للأولويات مغلق، مع نقص غير مبرر في المتحدثين باللغات الدولية الذين يخاطبون العالم بلغته ومفاهيمه. إنها قضية عادلة يتصدى لها بعض المحامين بقصور، وبعضهم ليس بعيداً أيضاً عن سمات "القيادة السامة"!

* نقلا عن "النهار العربي"

arabstoday

GMT 07:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 07:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 06:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 06:56 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 06:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 06:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 06:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القيادة السامّة القيادة السامّة



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 16:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يرد على قرار المحكمة الجنائية الدولية
 العرب اليوم - نتنياهو يرد على قرار المحكمة الجنائية الدولية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر

GMT 03:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تطالب بتبني قرار لوقف إطلاق النار في قطاع غزة

GMT 06:00 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتلة صورة النصر

GMT 18:42 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 18:00 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يكشف سر تكريم أحمد عز في مهرجان القاهرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab