أزمة الديمقراطيات الغربية

أزمة الديمقراطيات الغربية

أزمة الديمقراطيات الغربية

 العرب اليوم -

أزمة الديمقراطيات الغربية

بقلم : محمد الرميحي

مَن يتابع الانتخابات في الدول الصناعية الغربية يرى بوضوح أن تلك المجتمعات تتوجه إلى أزمة مستحكمة، توصل إلى طريق مسدود في الحكم والإدارة العامة، السبب أن ممارسة الديمقراطية أصبحت هدفاً أكثر منه وسيلة إلى تحقيق النفع العام، فدخلت في سكة الاسترضاء الشعبوي المؤدي إلى الأزمة.

لتفسير ما سبق، لنأخذ دولتين كبيرتين؛ هما فرنسا وبريطانيا، في الأولى أدت الانتخابات الأخيرة إلى شبه توقف آليات الحكم، بسبب التشرذم السياسي، وهي ظاهرة تنم عن فقدان الوعي الجمعي لإخراج المجتمع من الأزمات التي تواجهه، خاصة في الاقتصاد.

في بريطانيا جرت انتخابات (احتجاجية) حصد فيها العمال الأغلبية. صوّت الناس ليس حبّاً في «حزب العمال»، صاحب الأجندة المتعثرة في الشأن الاقتصادي، بل كُرهٌ في ضياع بوصلة «حزب المحافظين»، الذي يفضله الجمهور البريطاني للحكم.

في كل من فرنسا وبريطانيا هناك أزمة حادة في الاقتصاد، خلقها السياسيون، ففي فرنسا تصل نسبة الدين العام إلى 110.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، كما تصل نسبة الدين العام في بريطانيا إلى 99.8 في المائة، والرقم يعود إلى هذا العام (2024). في بريطانيا هذا الرقم لم يُسجل إلا في عام 1961، وهو الزمن الذي فقدت بريطانيا فيه قبل سنوات قليلة من ذاك التاريخ ممتلكاتها (خلف البحار)، بعدها تنبّه السياسيون إلى أن بريطانيا لم تعد (إمبراطورية)!

فرنسا اقتصادها بدأ يتدحرج إلى الخلف بعد فقدانها كثيراً من مستعمراتها التي بدأت تخرج عن النفوذ الفرنسي، آخرها ما حدث في غرب أفريقيا.

كلا المجتمعين عاش مرحلة الرفاه (الباذخ) بسبب سيطرة حكومته مباشرة أو من خلال وكلاء، على موارد دول أخرى، ومع ذلك قرر السياسيون (الشعبيون) ألا يواجهوا تلك الحقيقة التي تفرض على شعوبهم ربط الأحزمة والتوجه إلى معادلة قدراتهم الإنتاجية مع مستوى معيشة مساوية لتلك القدرات، فقرروا الهروب من الواقع، واستمرار العيش في رفاه، من خلال الدين العام الضخم، على حساب الأجيال المقبلة.

وصلت الآلية الديمقراطية إلى معادلة هي (حتى تنجح وتمسك بزمام السلطة) عليك بدقدقة مشاعر الناس في الشارع، مع تجاهل كل الحكمة الاقتصادية التي تقول «إن وصلت الاستدانة أكثر من 50 في المائة من الدخل الإجمالي للمجتمع فعلى الجميع أن يقرع أجراس الخطر».

تقول الدراسات المستقبلية لو وصل اليمين الفرنسي إلى الحكم، ونفّذ سياسته المعلنة في الاقتصاد، فإن مصير فرنسا سيكون مثل مصير اليونان، التي واجهت منذ سنوات أزمة اقتصادية حادة، ولولا تدخل السوق الأوروبية، خاصة ألمانيا، لإنقاذ الاقتصاد اليوناني، لأصبحت اليونان دولة فاشلة، فاقتصاد فرنسا أكبر، وبالتالي إنقاذه سيكون أصعب.

في بريطانيا «حزب العمال»، وإن وعد بعدم رفع الضرائب إبان الحملة الانتخابية، فإنه بالتأكيد سوف يقوم بذلك، فيبدأ بأصحاب الدخول الكبيرة، ثم يتدرج، وأمامنا فقط أشهر (عسل) قليلة مع «حزب العمال»، قبل أن تخرج المظاهرات في الشوارع، كافرة بما فعلته من تصويت 4 يوليو (تموز) 2024.

المجتمعات الغربية بصفة عامة حققت الازدهار فيما مضى بسبب ممتلكاتها (خلف البحار) ولم يكن ذلك الازدهار عبقرية في الإدارة، حتى في حروبها استخدمت أبناء المستعمرات الفرنسيين الأفارقة والبريطانيين الهنود.

خروج بريطانيا من السوق الأوروبية كان تحت ضغط (الشعبوية) التي رفعت شعار (الحفاظ على الحدود من الأغراب)! وفقدت كثيراً من المزايا الاقتصادية، كمثل اليد العاملة الرخيصة من أوروبا الشرقية في الزراعة، فصعدت الأسعار، وقلَّ المنتج الزراعي، رغم كل الأصوات الاقتصادية التي كانت تعارض الخروج، بمن فيهم حاكم المصرف المركزي، واثنان من كبار السياسيين السابقين، الأول عمالي هو توني بلير، والثاني محافظ هو جون ميجر!

يبدو أن رئيس الحكومة الجديد، كير ستارمر، يفكر في العودة بشكل ما إلى الارتباط الاقتصادي بالسوق الأوروبية من جديد، إلا أن الظروف تغيّرت، والشروط أصبحت أكثر تشدداً من قبل، هذا لو قُبل طلبه في الأصل. لقد كان لبريطانيا امتيازات عندما كانت في السوق الأوروبية، لم تحظَ بها أي دولة، (الشعبوية) فرّطت فيها جميعاً!

ربما الدرس المستفاد من تلك التجارب الصعبة، أن الشعوب لم تعد قادرة على العيش خارج قدرتها على إنتاج الثروة. والعيش على ثروة الغير هو مسكن يفقد تأثيره بمجرد أن يفطن الغيرُ إلى ثروته الوطنية.

تلك الحقيقة البسيطة يتجاهلها السياسيون، ويصرفون من جيب الأجيال المقبلة، ما يُمكنهم من البقاء على الكراسي!

آخر الكلام:

السياسي يهتم بالانتخابات المقبلة، ورجل الدولة بالأجيال المقبلة!

arabstoday

GMT 07:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 07:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 06:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 06:56 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 06:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 06:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 06:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أزمة الديمقراطيات الغربية أزمة الديمقراطيات الغربية



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 17:12 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
 العرب اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
 العرب اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعلن عن مكافأة 5 ملايين دولار مقابل عودة كل رهينة

GMT 14:17 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادين نجيم تكشف عن سبب غيابها عن الأعمال المصرية

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف

GMT 08:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

تنسيق الأوشحة الملونة بطرق عصرية جذابة

GMT 09:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات أوشحة متنوعة موضة خريف وشتاء 2024-2025

GMT 06:33 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صهينة كرة القدم!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab