بقلم : عماد الدين حسين
هل الرئيس الأمريكى دونالد ترامب جاد فعلا فى شراء أو امتلاك أو السيطرة أو حتى إدارة قطاع غزة، أم أن هناك هدفا خفيا من وراء قنبلة تهجير أهل غزة خارجها وتحويلها إلى ريفيرا جديدة؟!!
الكثير من الخبراء تحدث فى الفترة الماضية عن شخصية ترامب الغريبة والمقامرة وسيكولوجية المطور العقارى المؤمن بالصفقات، وبالتالى وطبقا لهذا الفهم فإن ترامب حينما يطرح مثل هذا الاقتراح العجائبى، فإذا تحقق «خير وبركة» ويكون قد حقق لإسرائيل ما لم تحلم به.
نعود للسؤال: هل ترامب جاد فى مقترحه؟
بالطبع هو يريد أن يرضى قاعدته الانتخابية الأساسية فى الولايات المتحدة وتتمثل أساسا فى اللوبى اليهودى والإنجيليين المؤيدين لإسرائيل. وقد يسأل سائل ولماذا يسعى ترامب لإرضاء هذه القاعدة علما بأنه لن يترشح مرة أخرى للانتخابات الرئاسية الأمريكية؟
أولا: هناك أعضاء فى الكونجرس تحدثوا عن إمكانية تعديل الدستور لكى يمكن لترامب أن يترشح مرة ثالثة وأخيرة.
وإذا كان هذا الأمر يبدو صعبا للغاية فى ظل أنه يحتاج إلى أغلبية الثلثين فى الكونجرس، وهو أمر غير متوفر وقد لا يتوفر ابدأ، بل إن هناك أعضاء فى الحزب الجمهورى يرفضونه. لكن هناك سيناريو آخر يتمثل فى أن ترامب قد يفكر فى ترشيح أحد أبنائه، وبالتالى يضمن وجوده فى البيت الأبيض والحكم من خلال الابن.
إذًا مرة أخرى هل ترامب جاد فى طرحه؟!
حتى هذه اللحظة ومن يتأمل الألفاظ والعبارات والتصريحات التى تفوه بها ترامب منذ أطلق هذا الاقتراح سوف يكتشف أنه كان شديد التخبط والغموض والتناقض ما يطرح سؤالا أكبر عن الهدف الحقيقى من الاقتراح.
فى البداية استخدم ترامب تعبير امتلاك غزة، ولم يوضح ماذا يقصد بالامتلاك.
ثم استخدم لاحقا عبارة «شراء غزة» ولم يشرح أيضا ماذا يقصد بالشراء، ومن هو الذى سيقوم ببيعها له، هل هى إسرائيل الطرف القائم بالاحتلال أم منظمات المقاومة التى تسيطر على معظم القطاع، أم سكان غزة أنفسهم؟!!
وفى فترة لاحقة استخدم عبارة «السيطرة والاستيلاء على غزة»، ولم يوضح أيضا كيف سيسيطر على القطاع، هل سيرسل قوات عسكرية لتحقيق الهدف أم لا.
ثم تراجع عن هذا التعبير بالقول إنه لن يرسل قوات عسكرية. ويومها قام رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو بالتوضيح أن جيشه هو الذى سيتولى مهمة الإجهاز على ما بقى من المقاومة، ويسلم القطاع إلى أمريكا، وحتى فى هذه الحالة لم نفهم، كيف سيمكن لترامب أن يسيطر على غزة من دون وجود قوات عسكرية، خصوصا أنه قال الأسبوع الماضى إنه لا يؤيد الاستيطان الإسرائيلى فى غزة.
ويوم الثلاثاء الماضى قال ترامب إنه سيدير فقط قطاع غزة ولم يوضح كيفية الإدارة وتفاصيلها، وحينما سأله أحد الصحفيين بأى سلطة سيدير غزة، أجاب بثقة: بالسلطة الأمريكية. ولا نعرف ماذا يعنى هذا التعبير فى القانون الدولى؟!!
ومن المضحك المبكى أننا سمعنا أحد أحفاد السلطان العثمانى عبدالحميد يعلن أنه هو من يمتلك غزة، حينما تساءل كثيرون عن الطرف الذى يملك غزة حتى يمكنه بيعها لترامب، وبعدها اقترح رئيس الوزراء ووزير الخارجية التركى الأسبق، أحمد داود أوغلو ضرورة إعادة ربط قطاع غزة بتركيا كمنطقة تتمتع بالحكم.
ترامب هدد بوقف المساعدات الأمريكية لمصر والأردن إذا لم يستقبلا سكان غزة، ثم غير رأيه حينما قابل ملك الأردن عبدالله الثانى مساء الثلاثاء الماضى، قائلا: إنه لم يهدد البلدين. ثم هدد حماس بفتح أبواب الجحيم إذا لم تطلق سراح كل الأسرى. ولم تستجب حماس للإنذار ولم يفتح ترامب أبواب جحيمه!!
الخلاصة أن تطرف ترامب وتردده وتناقضه فيما يتعلق بالموضوع ربما يكشف أنه لا توجد خطة واضحة فى ذهنه، وأنه لم يدرس هذا الموضوع مع أى جهة رسمية مثل وزارة الخارجية أو الدفاع أو الأجهزة الأمنية، أو حتى مراكز الأبحاث، وهو ما ألمح إليه مارك روبيو وزير خارجيته.
لكن إذا صح هذا التحليل فعلينا أن نقلق لأن هناك سيناريو يقول إن «فيلم شراء وتملك وإدارة غزة» مجرد إلهاء للمنطقة من أجل تنفيذ هدف أكبر وأهم هو تهويد الضفة وضمها رسميا لإسرائيل، إضافة إلى نزع سلاح المقاومة فى غزة وإنهاء حكم المقاومة فى القطاع.
عموما الأيام بيننا لنعرف ما الذى جال بخاطر ترامب وهو يطرح فكرته، وكيف جاءت إليه، ومع من تحدث.