بقلم - عماد الدين حسين
القمة الدولية التى نظمتها مصر، أمس الأول، كانت مهمة جدا، وكاشفة إلى حد كبير عن المواقف الفعلية لكل الأطراف ذات الصلة بالعدوان الإسرائيلى على غزة.
حضور ٣٤ دولة ومعهم الأمين العام للأمم المتحدة على مستوى القادة ووزراء الخارجية يؤكد نجاح مصر فى جمع هذا العدد فى فترة قصيرة جدا، لكن عدم صدور بيان ختامى كشف عن الفجوة الكبيرة بين مصر وبعض الدول العربية، وبين أوروبا والولايات المتحدة فى العديد من البديهيات فيما يخص القضية الفلسطينية.
الذى كشف وأكد ذلك هو مسارعة الولايات المتحدة وغالبية الدول الأوروبية إلى دعم إسرائيل بطريقة غير مسبوقة بعد عملية «طوفان الأقصى» صبيحة السابع من أكتوبر الماضى.
لا أظن أن دولة عربية أو حتى غير عربية قد تخيلت أن يكون الانحياز الغربى لإسرائيل بهذه الطريقة وذاك السفور، للدرجة التى تدفع غالبية قادة الغرب للتوافد على إسرائيل، وكأنهم يؤدون فريضة الحج وفى مقدمتهم الرئيس الأمريكى جو بايدن ومعه وزير دفاعه ووزير خارجيته، والأخير وقع فى خطأ قاتل حينما قال إنه جاء لتل أبيب باعتباره يهوديا وليس فقط وزيرا للخارجية.
ورأينا الولايات المتحدة ترسل حاملتى طائرات وتنشر قوات فى إسرائيل وتفتح كل مخازنها العسكرية لتلبية كل ما تحتاجه إسرائيل فى عدوانها السافر ضد غزة.
رأينا أيضا رئيس الوزراء البريطانى ريشى سوناك يفعل الأمر نفسه، ومعه وزير خارجيته، والأمر نفسه فعله المستشار الألمانى أولاف شولتز ومعه وزيرة خارجيته، ثم وزيرة الخارجية الفرنسية. كلهم جاءوا ليقفوا بجوار إسرائيل فيما قالوا إنها «محنة وجودية».
بعضهم مر على بعض العواصم العربية ليس للبحث عن حلول للمشكلة الأصلية وهى الاحتلال الإسرائيلى ولكن لنقل وتدعيم وجهة النظر الإسرائيلية.
بايدن كان مخططا له أن يلتقى العاهل الأردنى والرئيس السيسى والرئيس الفلسطينى فى عمان، بعد أن زار إسرائيل. كان اللقاء من وجهة النظر العربية فرصة لإقناع بايدن أن يكون موضوعيا ولو بدرجة بسيطة حتى يقنع إسرائيل بوقف عدوانها الغاشم ضد المدنيين فى غزة. قبل هذه القمة الرباعية الذى كانت مقررة الأربعاء الماضى فى عمان بساعات قصفت إسرائيل مستشفى المعمدانى فى غزة وقتلت أكثر من ٥٠٠ شخص وحاولت إلصاق الأمر بالمقاومة. السذج والأبرياء اعتقدوا أن هذه الجريمة كفيلة بأن تجعل الحجر ينطق والمتطرفين يرون الصورة الصحيحة، لكن بايدن الذى كان فى إسرائيل وقتها اتهم المقاومة الفلسطينية بأنها هى من قصفت المستشفى وأن إسرائيل بريئة، حتى قبل أن يتأكدوا من صحة هذه المعلومة أو الكذبة.
هذا التوجه أقنع البلدان العربية الثلاثة بعدم جدوى انعقاد القمة خصوصا أن الرسالة الأمريكية كانت واضحة وهى أننا لن نضغط على إسرائيل لوقف العدوان، بل سنوفر لها كل السبل كى تستكمل مهمتها فى غزة!! وهكذا تم إلغاء القمة وأعلنت البلدان الثلاثة الحداد حزنا على ضحايا المستشفى.
وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن زار المنطقة، وحينما جاء للقاهرة سمع من الرئيس السيسى ما لم يكن يتوقعه وعلى الهواء مباشرة سواء بشأن ضحايا الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين أو بشأن معاملة العرب والمسلمين لليهود.
الغرب لم يترك مؤشرا أو دليلا على الانحياز لإسرائيل إلا وقدمه خلال الأسبوعين الماضيين خصوصا استخدام أمريكا وبريطانيا وفرنسا للفيتو ضد مشروع القرار الروسى لوقف القتال وإدخال المساعدات أو مشروع القرار البرازيلى بإدخال المساعدات فقط.
من أجل كل ذلك كان واضحا ما الذى سيفعله الأوروبيون والأمريكيون فى قمة العاصمة الإدارية يوم السبت الماضى.
فى كل كلماتهم بدا وكأنهم يقرأون من ورقة واحدة موزعة عليهم من مقر الاتحاد الأوروبى فى بروكسل، أو من واشنطن. كلهم يدينون المقاومة ويؤكدون على حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها، من دون أن يجرأوا على القول بأن المقاومة من حقها الدفاع المشروع ضد الاحتلال منذ ٥ يونية ١٩٦٧.
هم رفضوا صدور بيان يتضمن الحد الأدنى من الموضوعية ويوقف القتال ويدخل المساعدات، وأصروا على دمغ المقاومة بالإرهاب، وبالتالى كان منطقيا أن ترفض مصر ومعها الدول العربية ذلك، وأصدرت مصر بيانا مستقلا ومهما عن المؤتمر ورؤيتها للحل، إضافة إلى الكلمة المهمة والقوية والجريئة للرئيس السيسى فى افتتاح المؤتمر، وأظن أنها أقوى موقف مصرى منذ سنوات بشأن القضية الفلسطينية.
المؤتمر الدولى فى العاصمة الإدارية أسقط ما بقى من ورقة التوت الصغيرة عن الغرب فى كل ما يقوله عن حقوق الإنسان والعدالة والمساواة.