هل صارت الرياضة عموما والكرة خصوصا مرتبطة بالسياسة، وتهدف لتحقيق أغراض سياسية، أم أنها مجرد ألعاب شعبية لتسلية الناس وامتاعهم ورفع روح المنافسة الشريفة؟!
السؤال مطروح بقوة فى السنوات الأخيرة، ويتردد أكثر الآن مع العدوان الإسرائيلى ضد قطاع غزة عقب عملية «طوفان الأقصى» التى نفذتها المقاومة الفلسطينية ضد الجيش الإسرائيلى صباح ٧ أكتوبر الماضى.
قبل أيام التقى المنتخب الجزائرى لكرة القدم مع منتخب الرأس الأخضر أو «كاب دى فيردى» فى مباراة ودية فى أسبوع التوقف الدولى لغالبية الدوريات العالمية.
لاعبو المنتخب الجزائرى ارتدوا الوشاح الفلسطينى تضامنا مع الشعب الفلسطينى الذى يتعرض لجريمة إبادة إسرائيلية منظمة.
فى هذه المباراة لعب العديد من محترفى المنتخب الجزائرى مع فريق بلدهم. ومن بين هؤلاء لاعب نادى نيس الفرنسى يوسف عطال. وعقب ذلك فوجئ اللاعب بأن عمدة مدينة نيس الفرنسية هدد اللاعب الجزائرى «بضرورة الاعتذار عن دعمه لفلسطين وازالة كل الكتابات التى كتبها على وسائل التواصل الاجتماعى، وأن يدين حركة حماس، وإذا لم يفعل ذلك فلن يكون له مكان فى نادينا»!
وفى الأسبوع الماضى كان الاتحاد الإنجليزى لكرة القدم قرر أن تقف كل أندية الدورى دقيقة حدادا على أرواح «الضحايا الإسرائيليين» الذين سقطوا فى العملية، لكن بعض اللاعبين العرب والمسلمين اعترضوا وهدد بعضهم ــ حسب تقارير صحفية ــ بأنهم سيغادرون الملاعب إذا تم ذلك.
وبالفعل أصدرت رابطة الدورى الإنجليزى يوم الخميس الماضى بيانا يدين العمليات ضد المدنيين فى الجانبين، وأن اللاعبين سيرتدون إشارة سوداء فى المباريات التى ستقام من السبت ٢١ أكتوبر إلى الإثنين ٢٣ أكتوبر الحالى.
أظن أن رابطة الدورى الإنجليزى تصرفت بطريقة شبه عادلة. أما عمدة نيس فقد جانبه الصواب تماما، وقرر أن ينحاز إلى جانب الجلاد والمحتل ضد الضحية.
ويوم الإثنين الماضى حذف الاتحاد الدولى للسباحة صور تتويج السباح المصرى عبدالرحمن سامح صاحب ذهبية سباق 50 متر فراشة ببطولة كأس العالم المقامة فى اليونان وتأهله لبطولة العالم بالدوحة 2024 وذلك بعد تصريحاته الداعمة للقضية الفلسطينية.
والملفت للنظر أن سامح أكد أنه تلقى تهديدات بالقتل بسبب دعمه للشعب الفلسطينى.
هذه هى الوقائع الثلاثة التى رصدتها وأظن أن مثلها كثير.
فى الماضى كنا نعتقد أن الرياضة مجرد ألعاب للتسلية والتنافس الشريف ثم اكتشفنا قبل سنوات أنها صارت صناعة واقتصادا، ومن الواضح أنها خصوصا كرة القدم، لم تعد هى تلك اللعبة التى يتنافس فيها ٢٢ لاعبا على أرض الملعب فقط بحثا عن المتعة والفوز، بل صارت مجالا واضحا للتنافس الشامل بين الدول والأمم، وما تفشل فيه الجيوش أحيانا فى ميادين القتال تحاول أن تعوضه الأندية والمنتخبات فى الملاعب الخضراء.
نرى الآن الدول والشركات الكبرى تحاول أن تنشئ أندية خاصة، أو تشترى أندية جاهزة كما هو واضح فى الدوريات الأوروبية الكبرى، ويتم إنفاق مليارات الدولارات فى هذا المجال بحثا عن مزيد من القوة الناعمة والتأثير لهذه الدول.
وحينما حدث الغزو الروسى لأوكرانيا فى فبراير ٢٠٢٢، وجدنا غالبية الفرق والمنتخبات الأوروبية والغربية تضع العلم الأوكرانى على قمصانها، وكذلك على القنوات الفضائية الناقلة لهذه المباريات، بل وتم معاقبة المنتخبات والفرق الروسية بحرمانها من المشاركة فى البطولات الأوروبية والدولية.
كان يفترض وكنا نحلم بأن تكون الرياضة وسيلة للتقريب بين الشعوب والأفكار والآراء، وأن تكون وسيلة لمحاربة الظلم والتعصب والتعالى والانتصار للقيم الإنسانية فقط.
هى تفعل ذلك أحيانا كما حدث فى التقارب الصينى الأمريكى فى أوائل السبعينيات، أو ما سمى بدبلوماسية «البينج بونج»، أو التقارب المصرى التركى على هامش افتتاح مونديال كأس العالم فى الدوحة فى الشتاء الماضى، لكنها لم تفلح مثلا فى القضاء على العنصرية التى تستهدف اللاعبين ذوى البشرة السمراء فى الملاعب الأوروبية، ولم تفلح فى القضاء على الفساد والرشاوى فى العديد من الاتحادات والمسابقات الرياضية. لكن الأسوأ هو أن الرياضة تتحول الآن إلى سلاح يستخدمه البعض خصوصا الأقوياء فى أوروبا والغرب لمحاولة فرض انحيازهم الأعمى لإسرائيل وقبلها أوكرانيا على كل شعوب العالم.
كيف يمكن للرياضيين والمشجعين أن يتحولوا إلى وقود فى معركة عبثية تنتصر للظالم والقاتل والمعتدى والمحتل والمغتصب؟!
تلك ليست هى الرياضة التى نعرفها.