بقلم - عماد الدين حسين
ما هو الهدف الحقيقى لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو وحكومته المتطرفة وجيشه من وراء العدوان الإسرائيلى الوحشى منذ ٧ أكتوبر الماضى وحتى الآن؟!
رسميا يقول نتنياهو إن الهدف هو القضاء على حركة حماس والقبض على أو تصفية قادتها وإعادة الأسرى، أو الرهائن.
الجميع ما عدا نتنياهو وعصابة اليمين المتطرف فى إسرائيل يقولون بوضوح إن الأهداف التى وضعها نتنياهو غير عملية وغير قابلة للتطبيق، وبالتالى عليه أن ينزل من فوق الشجرة العالية التى صعد إليها، بمعنى أن يكون عمليا وواقعيا.
من يقول ذلك ليس الفلسطينيين أو العرب أو حتى بعض الدول والقوى الأجنبية بل قوى صديقة لإسرائيل فى أوروبا والولايات المتحدة، وبدأنا فى الأيام الأخيرة نرى العديد من القوى السياسية والشخصيات العامة فى إسرائيل تقول ذلك بكل وضوح، وآخرهم إيهود أولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق، الذى قال يوم الجمعة الماضى: «حان الوقت لاستبدال نتنياهو وبن غفير وحكومته» وقبل ذلك فإن الرئيس الأمريكى جو بايدن طالب نتنياهو بإخراج المتطرفين من حكومته.
وخلافا لما يعتقده كثيرون فلا أظن أن نتنياهو حالم أو خيالى. هو يدرك قبل غيره أن عملية القضاء على حماس وبقية فصائل المقاومة مستحيلة.
ظنى الشخصى أن نتنياهو يستخدم هذه الأهداف المعلنة وغير الواقعية لتحقيق هدف أكبر وأهم وهو تدمير غزة وقتل أكبر عدد من سكانها خصوصا الأطفال.
وهو قال بوضوح فى اليوم الأول للعدوان بعد عملية «طوفان الأقصى» إنه سيحول غزة إلى مكان لا يعرفه أحد، وأن مشاهد غزة ستظل ماثلة فى عقول وأذهان الجميع خصوصا سكانها لخمسين عاما مقبلة.
نتنياهو لا يستطيع لحسابات دولية أن يقول إنه يريد تدمير غزة وقتل سكانها لكنه يتخفى وراء أهداف تبدو معقولة أمام شعبه وبعض الدول الكبرى المؤيدة له، من قبيل أن المقاومة قتلت مواطنين وعسكريين إسرائيليين وأسرت بعضهم وبالتالى فإنه يريد الانتقام والقضاء على هذه الفصائل المقاومة، حتى لا يكرروا ما فعلوه مرة أخرى.
نتنياهو يضع أهدافا مستحيلة حتى يحقق الهدف الأكبر له ولكيانه العنصرى الاستيطانى.
نتنياهو فى الأسابيع الأخيرة قال كلاما غريبا جدا، وخلاصته أنه يريد تغييرا ثقافيا يغير من طبيعة وهوية الفلسطينيين فى قطاع غزة والضفة بحيث يتخلون تماما عن فكرة المقاومة. وبالتالى يتقبلون الاحتلال والصهيونية بل ويهودية إسرائيل، بحيث لا تخرج أى حركة مقاومة من هذا الشعب. وربما أفضل تعبير عن هذه الأفكار هى خطة بتسلتيل سموتريتش حليف نتنياهو ووزير المالية ورئيس حزب «الصهيونية الدينية» المتطرف، حينما وضع خطة منذ يوليو الماضى خير فيها الفلسطينيين بين العيش كمواطنين درجة ثانية والتخلى عن حلم الدولة المستقلة أو الرحيل للخارج أو القتل.
نتنياهو يدرك تماما أن الفلسطينيين لن يتخلوا عن الاستقلال والدليل أن كل ما فعلته إسرائيل طوال ٧٥ عاما لم يخمد جذوة التحرر لدى الفلسطينيين، وبالتالى فحينما يضع هذا الهدف المستحيل تماما، فهو يعنى أن العدوان مستمر إلى ما لا نهاية وهو ما يعنى بعبارة أخرى أن الهدف الجوهرى وراء هذه الأهداف المستحيلة هو تدمير الضفة وغزة تماما وتهجير سكانها أو قتلهم أو إصابتهم باليأس ليقبلوا ما يريده المتطرفون الصهاينة.
سيقول البعض إن نتنياهو يفعل ذلك ليؤخر رحيل حكومته ومحاكمته وربما سجنه.. ومرة أخرى وما الذى سوف نستفيده نحن العرب، خصوصا إذا كان هذا التفكير المتطرف ليس خاصا بنتنياهو والمتطرفين فقط بل بثقافة سياسية يؤمن بها معظم الإسرائيليين؟!
وحتى إذا سقط نتنياهو واستقال أو حتى دخل السجن، فإن ما حققه لإسرائيل كثير جدا، وهو تحويل غزة إلى مكان غير صالح للحياة. ولعلنا نلاحظ التكتيك المتمثل فى الطلب من الفلسطينيين إخلاء منطقة معينة، وبعدها يتم تدميرها بصورة كاملة، بما تشمله من مبان ومستشفيات ومدارس ومؤسسات وكل البنية التحتية، بحيث لا تصبح المنطقة بكاملها غير صالحة للحياة ولا يكون أمام الفلسطينيين سوى سيناريو التهجير.
كعربى أتمنى أن تتم محاسبة ومحاكمة نتنياهو وأمثاله، ليس لفشلهم الاستخبارى والسياسى وسياسته الداخلية، بل لجرائم الحرب والإبادة الجماعة التى ارتكبوها ضد الفلسطينيين والعرب. لا يشغلنى مصير نتنياهو وعصابته، ويفترض أن يشغلنا دائما أن يتوقف العدوان أولا ويتبلور موقف فلسطينى وعربى قوى يجبر إسرائيل على وقف بلطجتها، ليس فقط فى فلسطين بل فى سائر المنطقة، وللأسف فإن ذلك لا يلوح فى الأفق حتى الآن.