بقلم - عماد الدين حسين
كان الله فى عون الفلاحين الذين زرعوا خضراوات فى الشهور الأخيرة، والسبب أن أسعار بعضها انخفضت كثيرا فتكبدوا خسائر كبيرة، قد تؤدى إلى مشاكل أكبر فى هذه المحاصيل فى الشهور المقبلة.
قبل أسبوعين كنت أتحدث مع أحد الخبراء عن مشكلة ارتفاع أسعار غالبية السلع والخدمات التى جعلت غالبية المواطنين يصرخون، فقلت له، ولكن الحمد لله أن أسعار الخضروات انخفضت بشكل ملحوظ فى الفترة الأخيرة. لكن رده فاجأنى.
هو يقول إن الفلاح الذى يزرع الخيار يبيع كيلو من حقله أو مزرعته بما يتراوح بين أربعة جنيهات وأربعة ونصف الجنيه، فى حين أنه كان يبيعه قبل شهور بنحو تسعة جنيهات، وفى ظل السعر الحالى فإن الفلاحين خصوصا البسطاء الذين يزرعون هذه الخضروات قد يفكر كثير منهم فى عدم زراعة هذه المحاصيل مرة أخرى فى الفترة المقبلة، والنتيجة المنطقية لهذا الاتجاه أن تقل زراعة بعض هذه الأنواع فترتفع أسعارها بشكل جنونى بعد أسابيع أو شهور قليلة.
يضيف هذا الخبير أن سعر الخيار هذه الأيام لا يترك مكسبا للمزارع إلا ربع جنيه، فالكيلو يتكلف نفس قيمة البيع وهى أربعة جنيهات ونصف الجنيه وهى حاصل جمع الأسمدة والتقاوى من بذرة وشتلة وكهرباء ومياه وتكلفة عمالة ونثريات.
أتحدث عن الخيار كمثال، لكن هناك العديد من الخضروات التى شهدت انخفاضا فى أسعارها فى الفترة الأخيرة، ومنها مثلا الطماطم والبطاطس والبصل ومتوسط سعرها ما بين ثلاثة وخمسة جنيهات للمستهلك وبالتالى فالمزارع قد يبيعها بجنيه أو جنيهين فقط.
المشكلة الأكبر أن أسعار التقاوى والأسمدة وبقية مستلزمات الإنتاج الزراعى قد زادت بنسبة كبيرة، خصوصا مع ارتفاع هذه الأسعار عالميا، ثم مع ارتفاع أسعار الدولار. فى حين أن أسعار المحصول نفسه ما تزال ثابتة أو أقل من قيمة التكلفة إضافة لهامش الربح الطبيعى.
سيقول البعض مرة أخرى، وما المانع حينما تنخفض الأسعار: أليس ذلك فى صالح المستهلك؟!
الإجابة هى نعم، لكن بشرط أن يسترد الفلاح قيمة تكلفة الإنتاج، زائد هامش الربح المعقول، وإلا فإنه سوف يتوقف تماما عن زراعة أى محصول لا يحقق له الحد الأدنى من المكسب المنطقى.
إذا عرفنا وأدركنا وجود العديد من الوسطاء فى العديد من السلع والخضروات والفواكه وأحيانا المحتكرين، فسوف ندرك على الفور الخسارة الكبرى التى يتحملها الفلاح، فى حين أن الجزء الأكبر من المكسب يذهب للوسطاء أو المحتكرين.
للموضوعية فإن الاحتكار قليل إلى حد كبير فى الخضروات لأنها بطبيعتها سلع سريعة التلف ويصعب تخزينها لفترات طويلة. وعلى سبيل المثال فإن الفلاحين حينما ينخفض سعر محصول عند سعر معين فإنهم يتركونه أحيانا ليتم حرثه مع الأرض، لأن تكلفة جمعه ونقلها ستكون أكثر من قيمة بيعها.
الوضع المثالى أن يزرع الفلاح ويكسب مكسبا معقولا حتى يستمر منتجا، وأن تصل هذه السلعة إلى المستهلك النهائى بسعر معقول وطبيعى يتناسب مع دخله وتشجعيه ليواصل الزراعة، لكن للأسف فى الخضروات والفواكه فإن هناك العديد من العوامل تؤثر على الإنتاج وبالتالى على الأسعار مثل الطقس وبين العروة والأخرى أو نقص الأسمدة وارتفاع أسعارها مثلا. وهنا من الطبيعى أن تتدخل الدولة بسياسات معينة لكى تقف بجانب الفلاحين خصوصا الصغار، حتى لا يتركوا هذه الزراعات، لأنهم لو فعلوا ذلك فإن المستهلكين سوف يدفعون ثمنا كبيرا بعد شهور قليلة، كما حدث بالضبط فى مسألة الفراخ التى كان يفترض أن تشهد تدخلا منذ شهور حتى لا نصل إلى الوضع الذى نعيشه الآن. وأخيرا فالمفترض أن تركز كل السياسات الحكومية على العديد من الأهداف لدعم الزراعة فى مقدمتها دعم المزارع، وإذا فعلت ذلك فسوف يقود ذلك بصورة آلية إلى دعم المستهلك النهائى الذى هو المواطن.