مساء يوم الثلاثاء 19 ديسمبر أصدرت وزارة الري المصرية بياناً شديد الأهمية يقول إن الاجتماع الرابع والأخير من مسار مفاوضات سد النهضة بين مصر وإثيوبيا والسودان قد انتهى ولم يسفر عن أية نتيجة بسبب استمرار المواقف الإثيوبية الرافضة طوال السنوات الماضية للأخذ بأي من الحلول الفنية والقانونية التي من شأنها تأمين مصالح الدول الثلاث، وكذلك بسبب تمادى إثيوبيا في النكوص عما تم التوصل له من تفاهمات سابقة، وأنه بات واضحاً عزم الجانب الإثيوبي على الاستمرار في استغلال الغطاء التفاوضي لتكريس الأمر الواقع على الأرض.
وكان ملفتاً للنظر أن البيان تضمن عبارات مهمة ومنها مثلاً: «على ضوء هذه المواقف الإثيوبية تكون المسارات التفاوضية قد انتهت، وأن مصر ستراقب عن كثب عملية ملء وتشغيل السد، وتحتفظ بحقها المكفول بموجب القوانين الدولية للدفاع عن أمنها المائي والقومي في حالة تعرضه للضرر».
حرصت على إيراد فقرات كاملة من بيان وزارة الري نظراً لأهميتها المفصلية في أزمة سد النهضة المستمرة منذ بدايات عام 2011 وعادت الآن إلى نقطة الصفر أو البدايات الأولى.
بجانب البيان فإنه كان من اللافت للنظر أن المتحدث باسم وزارة الري المصرية المهندس محمد غانم قد ظهر وتحدث في أكثر من فضائية تلفزيونية ووسيلة إعلام والسؤال الذي يسأله كثيرون في مصر والمنطقة بعد هذا التطور، هو: هل انتهت المفاوضات تماماً؟
نعلم إن مصر وبعد اللقاء الذي تم بالقاهرة بين الرئيس عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في نهاية يوليو الماضي اتفقا على بدء مفاوضات مكثفة لمدة أربعة شهور بهدف الوصول لاتفاق قانوني ملزم للأزمة، لكن وبعد نهاية المفاوضات لم يكن هناك التزام إثيوبي.
ومن الواضح أن مصر وحسبما قال غانم لن تدخل مساراً تفاوضياً جديداً ما دامت إثيوبيا متمسكة بنفس أسلوب المماطلة، وبالتالي ليس هناك تفاوض أكثر من ذلك.
مصر جربت آليات تفاوض مختلفة، لكن في ظل عدم وجود الرغبة الإثيوبية في التفاوض الجاد والوصول لاتفاق قانوني وملزم، وبالتالي يكون السؤال: ما هي الخطوة المقبلة؟
الإجابة كما قالها غانم هي أن مصر ستواصل متابعة ملء وتشغيل سد النهضة وفي حال حدوث ضرر، فمن حق مصر اتخاذ الإجراءات المناسبة لحماية أمنها القومي والمائي، ولكل مقام مقال، كما قال غانم في تصريحاته.
السؤال الذي يشغل المصريين أيضاً هو: كيف يمكن حساب حدوث الضرر؟
الإجابة هي أن يحدث جفاف صناعي نتيجة سد النهضة بالتزامن مع فترة جفاف طبيعي، وهو أمر متوقع نتيجة الطبيعة الهيدرولوجية لنهر النيل، وإذا حدث ذلك ورفضت إثيوبيا إمرار التصرفات المائية المخزنة في سد النهضة، فسوف يعني ذلك وقوع ضرر محقق على مصر، لأنه عند وجود جفاف خصوصاً إذا كان ممتداً وكمية المياه الواردة أصلاً قليلة، وإثيوبيا تصر على احتجازها، فسيمثل ذلك ضرراً كبيراً علي مصر طبقاً لوزارة الري المصرية.
من النقاط المهمة جداً التي تشكو منها القاهرة أن إثيوبيا لا تزال ترفض مشاركتها لبيانات السد خصوصاً خلال عمليات الملء الأحادي مما يحدث إرباكاً في المنظومة المائية، وإذا استمرت إثيوبيا في تخزين المياه لتشغيل السد وتوليد الكهرباء ورفضت التنسيق مع القاهرة فإن ذلك سيقود إلى إرباك كامل في منظومة إدارة النهر، ومن هنا تأتي أهمية وجود آلية ملزمة لتبادل البيانات في إطار قانوني ملزم يمكن مصر والسودان من اتخاذ القرارات المناسبة لإدارة المنظومة المائية في البلدين بناء على معلومات واضحة وصحيحة.
إضافة إلى الطلب المصري بضرورة وجود آلية قانونية ملزمة تلجأ إليها البلدان الثلاثة في حالة وقوع خلاف في تفسير أحد البنود، لكن إثيوبيا رفضت كل ذلك بهدف تكريس أن النيل الأزرق بحيرة إثيوبية مغلقة وليس نهراً دولياً عابراً ينبغي أن يخضع لاتفاقيات الأنهار الدولية.
ما حدث يطرح أسئلة منها: كيف ستتعامل مصر مع الأزمة؟