من الأسبق في تفتيت الاقتصاد العالمي

من الأسبق في تفتيت الاقتصاد العالمي؟

من الأسبق في تفتيت الاقتصاد العالمي؟

 العرب اليوم -

من الأسبق في تفتيت الاقتصاد العالمي

بقلم - محمود محيي الدين

انتهى منذ أيام الاجتماع السنوي الأكبر مشاركة للاقتصاديين، والذي عُقد هذا العام في مدينة سان أنطونيو بولاية تكساس الأميركية، الذي تناول في ما تناوله ما تجود به القرائح والدراسات مستجدات الاقتصاد على مستوى العالم وبلدانه وقطاعاته المختلفة، وسياسات التعامل معها. وسيقت في المناقشات أدلة على بدايات لتعافي الاقتصاد الأميركي، مقارنة بالاقتصادات الكبرى الأخرى، وأنه سينجح في السيطرة على التضخم في الأجل القصير مع تفادي السقوط في الركود في ما يعرف بـ«الهبوط الناعم». جاء ذلك مدعوماً بأرقام جيدة لسوق العمل ومعدلات التشغيل، إلا أن توقعات المستقبل ما زالت ملبدة بغيوم متكاثرة.

وقد يحول تكاثف هذه الغيوم دون استمرار ارتفاع معدلات النمو لمتوسطات ما قبل الأزمات التي شهدها العالم مع بداية هذا العقد بتوالٍ لأزمات ارتبطت بمربكات الجائحة والحرب في أوكرانيا، ثم تداعيات ما يشهده الشرق الأوسط من حرب دموية لا إنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة في غزة مع مخاطر متصاعدة لتوسع نطاقها. كما أن التضخم رغم تراجعه ما زال أعلى مما يستهدفه البنك الفيدرالي بإصرار على ألا يتجاوز معدله نسبة 2 في المائة سنوياً، بما يجعل المجال مفتوحاً أمام البنك الفيدرالي لرفع آخر لسعر الفائدة، أو عدم تخفيضه، على عكس ما يأمله المستثمرون بأن تبدأ سلسلة تخفيض لتكلفة التمويل تبدأ من شهر مارس (آذار) المقبل تصل إلى 1.5 في المائة على مدار العام الحالي. وإن كان الأرجح، إن هيأت ظروف سوق العمل والنمو إجراءات تخفيض الفائدة، فلن يتجاوز هذا 0.75 في المائة.

وقد تناولت جلسات كثيرة بالنقاش احتمالات التعافي والنمو والاستقرار النقدي والمالي للاقتصاد العالمي في ظل ما يعانيه من تفتيت، فضلاً عن تغيرات في أسسه التي نشأ عليها مع النظام الدولي الذي أفرزته الحرب العالمية الثانية، فهناك تغير في نمط العولمة الاقتصادية مع الانتقال المتسارع من عالم ثنائي القطبين إبان الحرب الباردة إلى أحادي القطب بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وزوال الستار الحديدي، وصولاً إلى عالم اليوم المتعدد الأقطاب، مع انتقال ملحوظ لمركز الجاذبية الاقتصادية نحو نصف العالم الآسيوي الأعلى نمواً والأكبر سكاناً. ومع هذا الانتقال تزداد التوترات الجيوسياسية؛ وفي هذه الأثناء تزداد تهديدات لمربكات أخرى تأخذ تارة شكل مستجدات التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي والتطبيقات الذكية وتأثيراتها في أسواق العمل والتفاوت في الدخول والثروات. وتأخذ هذه المربكات تارة أخرى شكل اضطرابات مؤسسية وفي نظم الحكم، مع تصاعد لتأثير اليمين المتطرف والموجات الشعبوية. ولا يجمع هذه المربكات المحتدمة تزامن حدوثها فحسب، ولكن إدراك متنامٍ بأن هذا العالم أصبح متقطع الأوصال سياسياً، ويعاني من التفتيت اقتصادياً.

وترصد دراسة لصندوق النقد الدولي، عن التفتيت الجيو - اقتصادي ومستقبل النظام الدولي المتعدد الأطراف، ازدياد التوجه لسياسات منكفئة نحو الداخل بإجراءات حمائية مع تصاعد لاستخدام معوقات ضد التجارة وتدفقات رؤوس الأموال وحركة العمالة عبر الحدود، وتقييد التعاون التكنولوجي. فعلى مدار العقد الماضي شهد العالم تبنياً لسلسلة من الإجراءات الحمائية التقليدية والمستجدة، كما اتخذت السياسات الصناعية الجديدة في الولايات المتحدة وأوروبا نهجاً أعاد ذكرى الحروب التجارية في ما وصفته في مقال سابق تحت عنوان «عاد الميركانتيليون» في إشارة لممارسات سادت القرنين السادس عشر والسابع عشر بدفع البلدان إلى تراكم ثرواتها بتقييد الواردات والتوسيع في الأسواق، ولو كان ذلك كما حدث بالفعل بحروب وصراع استيطاني وتجارة البشر والسيطرة على مصادر الخامات.

وقد ازدادت صور التفتيت الاقتصادي حدة بعد الجائحة وما اعترض خطوط الإمداد من قيود، كما عمقت الحرب في أوكرانيا حدة الاستقطاب عبر الانحيازات الجيوسياسية وما جرى من عقوبات تجارية ومالية، ومن خلال تقييد نظم الدفع الدولي. ومع تباين دوافع إجراءات التفتيت لأسباب تتعلق بالأمن أو التحرر من الاعتماد على شركاء تجاريين بعينهم إلا أنها قد ترتبط بتبنٍّ لسياسات محلية التوجه كإجراءات السياسة الصناعية الجديدة كتلك التي اتبعتها الولايات المتحدة مؤخراً مساندة بقانون تخفيض التضخم وقانون الرقائق الإلكترونية والعلوم، وإجراءات دول الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالاقتصاد الأخضر والتحول الرقمي. كما يزداد التفتيت مع إجراءات لرد الفعل للمعاملة بالمثل، وعندما يستشعر أطراف المعاملات الاقتصادية أن عوائدها أمست في غير صالحهم تجارة أو استثماراً أو هجرة للعمالة. وهناك تقدير بأن إجراءات تعويق التجارة فقط قد ازدادت بثلاثة أمثال من عام 2019 حتى عام 2022، وأنها كلفت الاقتصاد العالمي تراجعاً في ناتجه يعادل 7 في المائة من ناتجه الإجمالي. ومن مخاطر هذا التوجه تراجع التعاون الدولي في مجالات مكافحة التغير المناخي، وعلاج أزمات الديون قبل تفاقمها، وتيسير حوكمة تطبيقات الذكاء الاصطناعي. فلا سبيل عملياً أن تعوق دول مسارات التعاون في مجالات التجارة والاستثمار، ثم تتوقع تعاوناً بناءً في مجالات أخرى مثل العمل المناخي والصحة العامة.

وستتناول قمة «المستقبل» التي ستُعقد في إطار أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، في سبتمبر (أيلول) المقبل، مسألة تفاقم حدة التفتيت الاقتصادي وآثاره المكلفة على النظام الدولي. وهناك أهمية بمكان للنظر في مسببات هذا التفتيت، وهل العدو الأول للاقتصاد العالمي يكمن في الصراعات الجيو - سياسية وليست الإجراءات الحمائية كما يذهب الاقتصادي بجامعة هارفارد داني رودريك؛ أم أن الحمائية هي التي أشعلت النيران الجيو - سياسية وفقاً لتحليل الاقتصادية بينيلوبي غولدبيرغ كبيرة الاقتصاديين السابقة للبنك الدولي. ونظراً لتعقد وتشابك مسببات تدهور الوضع العالمي الحالي سياسياً واقتصادياً لن يتيسر حسم أي المسببات سبقاً، فقد تحالفت دوافعها في الإضرار بالشأن الدولي، وتدفع كالمعتاد التكلفة الأكبر الأطراف الأضعف في العلاقات الدولية؛ وهي الأولى بالاعتبار والحماية؛ ليس لاعتبارات العدل فحسب، لكن لما يسفر عنه تجاهل المستضعفين من عواقب وخيمة على السلم والأمن الدوليين.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من الأسبق في تفتيت الاقتصاد العالمي من الأسبق في تفتيت الاقتصاد العالمي



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
 العرب اليوم - أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد

GMT 14:09 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كوليبالي ينفي أنباء رحيله عن الهلال السعودي

GMT 03:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 20:22 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد الأوروبي يعلن صرف 10 ملايين يورو لوكالة "الأونروا"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab