أرشيف العرب الحزين

أرشيف العرب الحزين

أرشيف العرب الحزين

 العرب اليوم -

أرشيف العرب الحزين

بقلم - سوسن الأبطح

ضياع الأرشيف، هو إحدى الكوارث التي تهدد لبنان اليوم. فلو أحصيت عدد المؤسسات الثقافية التي تحتضن التاريخ، وتعرضت للأذى المباشر، أو تركت للإهمال، تدرك حجم المأساة التي لا تعني اللبنانيين وحدهم بل العرب أجمعين.
منذ الخمسينات، وبيروت عاصمة للمثقفين العرب، فيها تركوا ذاكرتهم التي باتت عرضة فعلاً للهلاك. في «أستوديو بعلبك» الذي تأسس في الستينات ليكون أهم مركز للتسجيل الفني في المنطقة العربية، لم تكن الأعمال المنجزة لبنانية فقط. هنا تحضر أم كلثوم، صباح، فريد الأطرش، وجاء الموسيقار محمد عبد الوهاب، ليشارك في التسجيل مع صباح، لحنه الجميل والبهيج لأغنيتها «عالضيعة يما عالضيعة». وفي هذا الأستوديو الذي شُيد عازلاً للصوت، وجُهز بأحدث المعدات، تسجيلات فلسطينية ذات أهمية بالغة. استطاعت «أمم للتوثيق» التي أسسها المغدور به، لقمان سليم، بجهود جبارة أن ينقذ بعضاً من هذا الأرشيف العربي الهائل، لكن الدمار والخراب كان أسرع. وإذا كان الأصل في إنشاء الأستوديو هو على يد الفلسطينيين بديع بولس وصاحب بنك «انترا»، المتحمس للمشروع يوسف بيدس، فإن عرباً آخرين من سوريا والعراق، وحتى غربيين، كانوا جزءاً من ذلك التاريخ.
«أستوديو بعلبك» غيض من فيض الأرشيف اللبناني. ولا نعرف إن كان من حسن الحظ أن الكثير من المجموعات هي ملك فردي، إضافة إلى المجموعات الكبيرة للأعمال التشكيلية الموزعة هنا وهناك، في انتظار متحف الفن المعاصر الموعود، ولا يأتي. هناك أرشيف مهرجانات بعلبك الذي جاوز عمره النصف قرن. وقد لا تعنيك الفساتين، لكن المجموعة العائدة للفنانة صباح، هو أيضاً مما تجدر العناية به. فالأقمشة والأوراق والتسجيلات، هي مما يحتاج رعاية وتكلفة عاليتين.
لا يمكن المرور على الأرشيف من دون التذكير بروائع «المحفوظات الوطنية اللبنانية». وتلك حكاية أخرى. إذ نتكلم عن أثمن وأهم ما يمتلك لبنان اليوم. شيدت في سنوات العزّ الأبراج وفخم الفنادق، وعجائب النوادي الليلية، لم يجد اللبنانيون لتاريخهم أفضل من مستودعات تجارية تحت الأرض يدفنون فيها ذاكرتهم. لا لوم حين يقول مدير المؤسسة فؤاد عبيد حنقاً وغضباً إن «الشعوب التي ترمي تراثها وذاكرتها على قارعة الطريق، لا بدّ أن تجد مستقبلها على أرصفة دول أخرى». فحين يكون الحاضر معتلاً، هذه دلالة على أن ثمة خللاً في الذاكرة. ووحدهم من لا يقرأون التاريخ، لا يتعلمون من أخطائهم، ويكررون المآسي نفسها. كلام لا يعني اللبنانيين وحدهم، بل شعوباً عربية عديدة تفقد إرثها بسبب الحروب الدموية والفوضى، وتدخل في غياهب ألزهايمر قاتل. يصف عبيد مؤسسته بما هي عليه بأنها «لإتلاف المحفوظات أكثر مما هي لحفظ الثروة الفكرية والثقافية والتراثية». ونحن نشاركه السؤال، «إلى متى يبقى هذا الحق العام الذي اسمه الذاكرة الوطنية، مشتتاً ومغيباً وضائعاً ومعتدى عليه من قبل الجميع! ومتى يُدرج في سُلّم أولويات المسؤولين».
قبل أيام احتفلت «الـيونسكو» بـ«اليوم العالمي للتراث السمعي البصري». وهي مناسبة سنوية لحض الدول على حفظ تراثها، ورقمنة محفوظاتها وترتيب ذاكرتها. عربياً، لم يعبأ أحد. لبنانياً، نعيش في كوكب آخر. مع أن هذه المشاريع يمكن أن تمول وتدعم، وتحتاج فقط شيئاً من الاهتمام. اضطرابات البلاد، ليست سبباً ليغرق الجميع في المهاترات، ويدوروا في دوامة النقاشات العقيمة. العمل في الوقت الضائع من أجل صيانة أغلى ثروة يمتلكها لبنان، هو أهم ما يمكن أن يفعله وزير الثقافة.
برنامج غاية في الأهمية أطلقته «الـيونسكو» عام 1992 تحت اسم «ذاكرة العالم» الهدف منه جمع التراث الوثائقي وحفظه وحمايته، وجعله متاحاً للإنسانية. وأن يكون لدولة أرث ذو أهمية كبيرة، يمكن أن يصنف إرثاً عالمياً، كما صنفت من قبل مواقع أثرية باعتبارها «تراثاً عالمياً». تلك فرص تهدر، بينما الأفلام والتسجيلات الصوتية، والمباني القديمة، ينهشها الإهمال، أو يقضي عليها انفجار فاجر.
إذا أحصينا عدد الكتب العربية التي أنتجتها المطابع اللبنانية، وأصبحت عالّة على دور نشر، فقدت القدرة على التسويق أو حتى نقلها إلى أماكن أخرى، وخزنت في أقبية رطبة، يمكن تخيل ما هو في طريقه إلى الاندثار. لن نتحدث عن أرشيف تلفزيون لبنان، الذي دار حول كنوزه لغط كثير، ويمكن اعتباره الأول عربياً من حيث تاريخ الانطلاق، لأن تلفزيون بغداد سبقه ببث على نطاق محدود جداً، وكذلك أرشيف الإذاعة اللبنانية، فاللائحة طويلة وموجعة.
في كل قرية ما يستحق التوثيق، وعلى كل ناصية طريق ما يحتاج الإنقاذ. بدأت أسواق طرابلس، ثاني مدينة مملوكية بعد القاهرة، تفقد حتى شكلها التاريخي القديم. ثمة معماريون يصورون النقوش على المباني ويعيدون رسمها، لأنها لن تكون موجودة على الأرجح في الغد القريب. مساحات تاريخية مأهولة، تتداعى على سكانها. التاريخ ليس مجموعة من الأحداث يغيبها الطلاب ويعيدون اجترارها في الامتحانات. إن لم يكن الماضي منتعشاً في طبق الطعام، وفي الأفلام والروايات وداخل صالات السينما، وعلى شرفات المنازل، فهو ميت. كل الكلام عن حق الفلسطينيين القانوني في العودة، يضعف أمام صورة مفتاح قديم صدئ تشهره عجوز فلسطينية في وجه المحتل، مصرّة على أن ترجع وتفتح باب بيتها الذي طردت منه. كل الأمنيات في أن تنسي إسرائيل العالم، بأن فلسطين أرض بلا شعب تنهار أمام صور الهويات الفلسطينية للأجداد التي نشرها الأحفاد على انستغرام.
التوثيق كما الأرشفة ليسا من شيم العربي. فهذه المهام تحتاج فكراً علمياً تنظيمياً دقيقاً، وصبراً وشغفاً، كما الإيمان العميق بأن التاريخ بملموسه من صورة وأغنية وكتاب ورسالة وفيلم، هي من العناصر الأساسية التي تعيد بناء بزل التاريخ، الذي عليه يبنى المستقبل.
وثّقوا وأرشفوا قبل أن تندثروا...

arabstoday

GMT 03:41 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

ثلثا ميركل... ثلث ثاتشر

GMT 03:35 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

مجلس التعاون ودوره الاصلي

GMT 03:32 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

عندما لمسنا الشمس

GMT 03:18 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

رسالة إلى دولة الرئيس بري

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أرشيف العرب الحزين أرشيف العرب الحزين



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:48 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
 العرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 09:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

غضب صلاح من بطء مفاوضات ليفربول واهتمام من باريس سان جيرمان
 العرب اليوم - غضب صلاح من بطء مفاوضات ليفربول واهتمام من باريس سان جيرمان

GMT 09:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
 العرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:36 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها
 العرب اليوم - ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها

GMT 05:57 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

المحنة السورية!

GMT 07:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 19:01 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

6 قتلى في قصف للدعم السريع على مخيم للنازحين في شمال دارفور

GMT 22:51 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الإسرائيلي يأمر بإخلاء شمال خان يونس "فوراً" قبل قصفه

GMT 20:03 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

القبض على موظف في الكونغرس يحمل حقيبة ذخائر وطلقات

GMT 20:27 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

دعوى قضائية على شركة أبل بسبب التجسس على الموظفين

GMT 22:06 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

إيقاف واتساب في بعض هواتف آيفون القديمة بدايةً من مايو 2025

GMT 08:16 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

وفاة أسطورة التنس الأسترالي فريزر عن 91 عاما

GMT 18:35 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

العراق ينفي عبور أي فصيل عسكري إلى سوريا

GMT 18:29 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

قصف إسرائيلي على مناطق جنوب لبنان بعد هجوم لحزب الله

GMT 17:20 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

هنا الزاهد توجه رسالة مؤثرة إلى لبلبة

GMT 18:45 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

ولي العهد السعودي يستقبل الرئيس الفرنسي في الرياض

GMT 11:32 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الاحتلال ينسف مبانى بحى الجنينة شرقى رفح الفلسطينية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab