مصر ونظامها التعليمي العملاق

مصر ونظامها التعليمي العملاق

مصر ونظامها التعليمي العملاق

 العرب اليوم -

مصر ونظامها التعليمي العملاق

بقلم:سوسن الأبطح

مصرُ لا تكابدُ وحدَها مأساةَ تراجعِ مستوى الطلاب. من أميركا التي ذاعَ صيتُها، إلى كندا، والسويد، وصولاً إلى الصين التي يشتكي تلامذتُها من الضَّغطِ الشديد، وأدخلتْ مهاراتِ الطبخِ والحرفياتِ والتنظيف، على مناهجِها للترفيهِ عنهم، الجميعُ في ضياعٍ. اليونسكو اعترفتْ أنَّ النظمَ التعليمية، تفشل في مواكبة التحولات الصاروخية التي يعيشُها العالم. يتعلَّم التلميذُ مهاراتٍ، تصبح مُتَجَاوَزَةً قبل أن يصلَ إلى الجامعة، ويختار تخصصاً علمياً عالياً، سرعانَ ما يُصدمُ لأنَّه لم يعد مطلوباً. وخيرُ ما يمكن أن تمدَّ المدرسة تلميذَها به، هو أنَّ تعلمَه كيفَ يبحثُ ويتعمّقُ، وتمنحه ليونةَ الأفعى في التفكيرِ والتحليل.

هذا يفترض أن يترافقَ مع بناءٍ فكري وذهني ثريين ومناهجَ عقلانية. ومن عجائبِ ما نعيش، أنَّنا كلما ظننَّا أنَّنا طوَّرنَا مناهجَنَا، وجدنَا طلابَنَا أكثرَ ضحالةً وسطحية وأقلَ كفاءة. تحوَّلتِ الأجيالُ الجديدةُ، إلى فئرانِ تجارب، حتى في أكثرِ البلدان تقدماً، مثل السويد التي سبقتِ الجميعَ إلى التدريس الرقمي، واكتشفت أنَّ تلامذتَها، فقدوا ألمعيتَهم في القراءة والكتابة، فعادتْ إلى الورق. وتتحدَّث وزيرةُ التعليم السويدية عن فشلٍ وضرورةِ تغيير جذري، لا سيَّمَا في المدارسِ الخاصة، بسببِ خطرِ الجريمةِ المنظمة، والعلاماتِ المزيفة. مع أنَّ السويدَ كانت مصدرَ وحي للإنجليز في التعليم.

وأينمَا يمَّمت وجهَكَ، وجدتَ التعليمَ هاجساً، وهمّاً قومياً. فمصر الخزّان البشري العربي، بقيت لفترةٍ طويلة تؤسّس البنى التعليمية في دول خليجية، ويقصدُها اللبنانيون للدراسة. وأن يعاد النظر في المناهج دورياً، فهذا ضروري.

الحالة المصرية تعني 58 ألفَ مدرسة و26 مليونَ طالب، أي أنَّ عددَ تلامذة المدارس في مصر، يوازي خمسَ مرات عدد سكان لبنان. والسعي حالياً، في أكبر نظام تعليمي في المنطقة، لترشيقِ برامجِ المرحلة الثانوية، بخفض عددِ المواد، ودمج بعضها، لتوفير تكاليفِ المدرسين، وأسعارِ الكتب، وعبء ساعات الدروسِ الخصوصية التي أصبحت إدماناً، وتشكَّلت حولَها مافيات، ترهق كاهلَ الأسر. وهو ليس انقلاباً على النظامِ القديم، بقدر ما هو تعديلٌ ودمجٌ وتشذيب. وقامتِ القيامةُ، ولم تقعد، بسببِ الحديث عن لا جدوى مواد مثل علم النفسِ والفلسفة، والتاريخ، والتركيز على الاختصاصات العلمية، لقلَّةِ المنخرطين فيها، مقابل 70 في المئة في الكليات النظرية.

يبقى أنَّ المهمَّ، ليس ما يتعلمه التلميذ، وإنَّما الكيفية؟ فما فائدة تدريسِ الأحداث التاريخية، كأنَّها قطع «بازل»، وتخريج طلَّاب لا يستطيعون الربطَ بين ما تعلموه واستخلاص النتائج، وفهم حاضرهم. فحينَ قالت طالبةٌ جامعية، عندي أنَّها من فلسطين- وكانَ ذلك قبل حرب غزة- سألتها زميلتُها، وهل تأتينَ من هناك كلَّ يوم؟ وفي مادةِ الأدب العباسي، ثمةَ من يكتب في الامتحانات عن شيوع الديمقراطية، وانتشار دور السينما. وهذه ليست نكتةً، فخطُّ الزمنِ ضبابيٌّ، وخصائصُ الحقبِ غير واضحة. وفي الماجستير، الأخطاءُ الإملائيةُ مروّعةٌ، والنحوُ يُرثى له، وتراكيبُ الجملِ غير مفهومة، أحياناً. وهذه حالة عربيةٌ عامَّةٌ ومؤلمة. ولا يغرّنَّكَ أن ترى أطفالَنا يرطنون الإنجليزية، بطلاقةٍ وفمٍ معوجّ، اختبرْهم كتابياً، أو تعمّق قليلاً في الحوار، تصدم للنتيجة.

تسمعُ المسؤولين فتُعجب برؤيتهم، وتسمعُ المحتجين فيغريك رفضُهم. تقرأ عن تطويرِ المناهجِ وعبقريتها تفرح، ثم ترى النتائج، فتصاب بالصدمة. مقارنة بسيطة، بين تلامذةِ المناهج التقليدية التي قامت على الحفظِ والتلقين، تجدهم أكثرَ فطنة من زملائهم اليوم، وأقدرَ وأمهر. بينما جاءَنا التحديثُ بتلامذة لا حفظوا ولا اكتسبوا مهارةَ التفكير والتدبر. هذه الحالةُ العرجاء هي التي تعاني منها مصرُ، ودولٌ عربيةٌ كثيرة.

محزنُ الفصل بين المعرفةِ التكنولوجية واللغوية مثلاً، فالحاجة هي لدمجِ المعارفِ لا الفصل، وإلَّا فكيف لنا أن نعملَ على تطوير رقمنةِ النصوص، والتفننِ في كتابة الخطوط، والتغلب على معضلات الترجمة. أوَ ليس من قلَّةِ الدراية أن لا ينتبهَ طالبٌ جامعي في التاريخ، أنَّ الذَّكاءَ الاصطناعي هو أولاً أرشفةٌ ذكيَّةٌ لمعلومات قديمة، ومعالجتها بعمليات حسابية آلية، وأنْ لا ذكاء بلا ماضٍ؟ ثم كيف لطالبٍ أن يحضّر رسالةً في الدكتوراه عن ألفاظٍ محددة، أو تراكيبَ معينةٍ، ولا يجيد استخدامَ البرامجِ الحديثة، لاستخراجِها وإحصائِها؟ كيف لناقدٍ أن يتعاملَ مستقبلاً، مع روايات، خضعت لمساعدةِ الذَّكاءِ الاصطناعي، وهو لا يفقه سوى ألفِ باء التقنيات؟

تشتيتُ المعارف، والفصلُ بينها، واستبعادُ بعضها، بدلَ التركيزِ على موسوعيةِ المعرفة، ومزاوجة التكنولوجي بالفكري والأدبي، هي انزلاقاتٌ جديدة، واختباراتٌ فاشلة. وكي لا أبدو وكأنَّني أملكُ الوصفةَ السحرية، ففي موضوعِ البرامجِ التعليمية، أسهل وأجمل ما تملكه هو الرسم والتخطيط والتفلسف، أمَّا المحك ففي التفاصيل، وفي ذكاءِ التطبيق ومواجهة صعوباتِ الأرض ووعورتِها اليومية. وهنا تكمنُ المشكلة.

 

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصر ونظامها التعليمي العملاق مصر ونظامها التعليمي العملاق



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
 العرب اليوم - أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد

GMT 14:09 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كوليبالي ينفي أنباء رحيله عن الهلال السعودي

GMT 03:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 20:22 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد الأوروبي يعلن صرف 10 ملايين يورو لوكالة "الأونروا"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab