«نوبل» ليست لكم

«نوبل» ليست لكم

بقلم - سوسن الأبطح

«نوبل» ليست لكم

 العرب اليوم -

«نوبل» ليست لكم

بقلم - سوسن الأبطح

مرة جديدة، فاجأت الأكاديمية السويدية الجميع، وخاصة أولئك الذين يعشقون التوقعات، وينشرون الأسماء الشهيرة، يوزعون عليها العلامات، والترجيحات، قبل كل إعلان عن جائزة نوبل للآداب، ويدّعون أنهم يعلمون، ما لا يمكن معرفته. فقد أثبتت لجان نوبل، بمرور السنوات، أنها جديرة بحفظ الأسرار، وإن أخفقت في نواحٍ أخرى، تستحق النقد. ومن لطيف ترجيحات «نوبل» أن كل أمة، تدسّ بأسماء كتّابها، وتضعهم على رأس اللائحة، فيما لا تزال اللجنة الموقرة مصرة على اعتبار اللغة الإنجليزية هي الأصل، تتبعها اللغات الأوروبية الأخرى، وكل ما عداها فرع، وهوامش. وهي أيضاً جائزة غربية، حتى النخاع، وثبت أن اختيار عربي مرة، أو أفريقي مرة أخرى، ليس إلا الاستثناء الذي يثبت هذه القاعدة الذهبية. وبالتالي فلا مفاجأة في اختيار الشاعرة الأميركية لويز غلوك للفوز بجائزة نوبل للآداب هذه السنة، مكافأة لها على «صوتها الشاعري المميز، الذي يُضفي بجماله طابعاً عالمياً على الوجود الفردي». وصحيح أيضاً أن شعرها يتميز بـ«الوضوح» وأنها شكلت لنفسها أساليب شعرية، تنقلت بينها، وبقيت أمينة لصوتها الداخلي، وأنها ركزت بشكل مؤثر على طفولتها وحياتها الأسرية التي شابها كثير من التعقيدات، بسبب مرضها واضطرابها النفسي أثناء المراهقة، ومن بعدها بسنوات. لكن بالتأكيد نوابغ الشعراء في هذا العالم ليسوا ندرة، وليسوا دائماً من البيض.
وسيمرّ وقت طويل على الأرجح، قبل أن يسمع القيّمون على الجائزة، نداءات تشبه تلك التي أطلقها الصحافي الأميركي بيتر ماس، قبل أيام، طالباً ممن يفوز أن يرفض الجائزة. وعدّد الكاتب عاهات كثيرة تعاني منها اللجنة، منها فضائح عام 2017. والحكم على زوج إحدى الأعضاء الـ18 بالاغتصاب الجنسي، ومن ثم اختيار الأديب النمساوي بيتر هندكه العالم الماضي، الذي على روعة أعماله، إلا أنه في الجزء الثاني من حياته وقع في فخ إنكار الإبادة الجماعية التي ارتكبها الصرب في حق المسلمين خلال حرب البوسنة. وزاد الطين بلة أن هندكه قرن الكتابة بالفعل، عندما حضر جنازة سلوبودان ميلوسيفيتش، وألقى كلمة تأبين في الزعيم السابق لصربيا، رغم أنه توفي أثناء محاكمته بارتكاب جرائم حرب.
والمآخذ على نوبل كثيرة، منها أنها منحازة لذكورية باتت غير محتملة؛ حيث لم تنل النساء من أصل 102 للآداب سوى 16 جائزة، كانت آخرهن من حظ الشاعرة لويز غلوك. ويذهب هذا الصحافي المتمرد إلى أبعد مما يطالب به آخرون، مطالباً أن يتوقف رهن التحكيم بفئة صغيرة من السويديين، وفتح الباب أمام أعضاء من جنسيات وإثنيات ولغات أخرى، كي يصبح الاختيار أكثر عالمية. وتنصف بقية اللغات.

لكن هذا سيبقى حلماً، والأكاديمية السويدية راهن كثيرون على أنها ستستمر في تعنتها، وتختار الروائي الفرنسي ميشال هولبيك، صاحب رواية «الاستسلام» المثير للجدل، والذي لا غبار على كتاباته الأدبية، تماماً كما هندكه، لكنه معروف بمواقفه المعادية للمسلمين، وبأنه جزء من جماعة تأجيج الإسلاموفوبيا، هؤلاء لم تصح توقعاتهم أيضاً.
فاللجنة لم تفعل، فهي لم تختر متعصباً، متشدداً، ولم تختر رجلاً أيضاً، ولم ترض مناهضي العنصرية باختيار كاتب أسود، بل التفتت هذه السنة إلى النساء، ومنحت 3 من جوائزها في العلوم لسيدات، وها هي الرابعة (الآداب) تذهب لامرأة، والإعلانات عن الجوائز مستمرة. وكانت «نوبل» عام 2009 قد منحت 5 نساء جوائزها، وتلك كانت سابقة، ولعلها تتكرر.
ومع وباء كورونا، واجتياز أميركا، واحدة من أصعب محنها المعاصرة، وكل أميركي يشعر بأن الانتخابات المقبلة، قد تكون مصيرية بالنسبة له، والقلق يسيطر على مجتمع لم يعتد هذا الكم من الانقسامات، يأتي فوز الشاعرة التي عانت من صعوبات شديدة في طفولتها، وتركيز كبير في كتابتها على الحميمات البيتية، والعلاقات العائلية، لتكون بمثابة هدية لأميركا، كانت تحتاجها.
أما المتباكون على نوبل من العرب، فربما يجدر التذكير أن نوبل ليست لكم، وأن إعطاءها لنجيب محفوظ قد لا يتكرر في القريب الآجل. فالصين أمة المليار ونيف لم تنلها إلا مرتين، مع جاو كسينجيان، ومن ثم مو يان، من بعده بسنوات. واليابان على أهميتها في العالم فازت بنوبل للآداب مرتين حين منحت لكبيرين شهيرين، هما ياسوناري كواباتا وكنزابورو أوي. ويكاد يكون وولي سوينكا من القارة السوداء استثناء، وحين فاز أوكتافيو باث من المكسيك، فلربما شفعت به الإسبانية، اللغة التي يكتب بها، أكثر من عبقريته الأدبية، تماماً مثل الكولومبي الكبير غابريل غارثيا ماركييز. فلا الترجمة هي التي تقرب الطامحين من العالمية، ولا تكرار الاسم المراد فوزه في الصحف والترويج له.
لا تزال الثقافة المعولمة لها مركزية غربية، وتغيير هذا الواقع لا يأتي من تبديل أعضاء لجنة نوبل، ورفض المليون دولار، وإعطاء درس في الأخلاق للسويديين، كما يقترح الصحافي الأميركي المتمرد. وإنما بأن تكون للغتك كيانها وأدبها وجوائزها التي تصون أسرارها، ويقرأ كتابها بلغتهم أولاً، ويتمكنون من تشكيل ضمير شعوبهم. أما انتظار التكريم الخارجي فهذا حقاً من بؤس الأيام على الأمة.  
arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«نوبل» ليست لكم «نوبل» ليست لكم



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعلن عن مكافأة 5 ملايين دولار مقابل عودة كل رهينة

GMT 14:17 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادين نجيم تكشف عن سبب غيابها عن الأعمال المصرية

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab