توقعات الانهيار والبدائل العجيبة

توقعات الانهيار والبدائل العجيبة

توقعات الانهيار والبدائل العجيبة

 العرب اليوم -

توقعات الانهيار والبدائل العجيبة

بقلم : رضوان السيد

 

فريقان من المفكرين الاستراتيجيين والباحثين توقّعا تصدع نظام التفوق والهيمنة الأميركي في الداخل وفي العالم. الأول يتمثل في جماعات نقد الاستعمار والأوروبيين الكارهين لسياسات الولايات المتحدة. وهؤلاء كان منهم مَنْ يرى أنّ التصدع سيكون سببه التقدم الصيني والهندي واتفاق هذين العملاقين على الخروج على الهيمنة الأميركية رغم ما يبدو من خلافاتٍ بينهما؛ وأمّا القسم الآخرُ من متوقّعي التصدع فيعللون تخميناتهم بالاختلالات الحاصلة بالداخل الأميركي لجهات العدالة وحكم القانون وتوتر العلاقات بين المؤسسات، والميل المتزايد لشنّ حروبٍ خارجيةٍ خاسرة دائماً، وطغيان الشركات الكبرى.

أما الفريق الآخر من المفكرين والاقتصاديين فمعظمه من الأميركيين الذين سيطرت عليهم في العقود الأخيرة نزعات من التشاؤم السوداوي بشأن مستقبل الولايات المتحدة والقوة الأميركية، وتارةً بسبب المنافسة الصينية، وطوْراً بسبب الاختلالات الداخلية الكبيرة التي تزداد دونما محاولاتٍ للإصلاح لغياب الكبار بين السياسيين، وفقدان المفكرين الاقتصاديين والاستراتيجيين نفوذهم على سياسيي الأحزاب من أصحاب المصالح المستقرة. النظام الأميركي فقد القدرة على الإصلاح والتجدد، حسب هذه الرؤية، ولا بد، من أجل مصير أميركا الأفضل، من الخروج من إسار الحزبيين وسياساتهم المتشابهة، والإقبال على تجديد علاقات أميركا بالعالم على أسس جديدة ليس منها تصور بوليس العالم ولا تصور المُحْسن والمتصدق على دول؛ مرة باسم الأخلاق المسيحية ومرة باسم المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة.

وبالطبع لا أحد من هؤلاء الداخليين أو الخارجيين توقع عجائبيات الرئيس الأميركي دونالد ترمب للخروج من الانتحار ولكي تعود أميركا أولاً.

هناك تصوران قديمان لأميركا لهما علاقة وثيقة بعضهما ببعض، رغم أن أحدهما ديني والآخر مدني؛ أما التصور الديني فهو رؤية أميركا بوصفها مدينة «طاهرة» على جبل، تحضر فيها قداسة المسيح وتملك رسالة تنوير وهداية للعالم. وتبلور التصور المدني ببطء منذ زمن الآباء المؤسسين إلى أن أُنجز بشكلٍ كاملٍ في الحرب العالمية الثانية بوصفه نظاماً مشتركاً مع العالم «الغربي»: في نظام الأمم المتحدة والوكالات والمفوضيات المتخصصة، ومجلس الأمن، والقانون الدولي، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومواثيق حقوق المرأة والطفل. وقد كان هناك مَنْ شكا في البلدان المستعمرة أو التي بقيت فيها مواريث استعمارية من أن أميركا لم ترعَ قضايا التنوير، وحقوقياته، ودخلت جيوشها للقيام بغزوات استعمارية. لكنَّ كثيرين بعد الحربين ظلوا يأملون في أن الولايات المتحدة ستزيل الشوائب في سياساتها تجاه العالم. وفي تسعينات القرن العشرين كان جوزيف ناي لا يزال يتحدث عن «القوى الناعمة» في أميركا، ويقصد عوامل الجاذبية. لكنّ هجمات تلك الجماعات المتطرفة على الولايات المتحدة أدخلتها في موجةٍ جديدةٍ من الحروب غير المنتهية إلاّ بالخسارة. وعلى هذا فقد شاع التشاؤم لأنه لا أحد حتى في المؤسسات العسكرية كان يرى تلك الحروب سبيلاً لإحقاق السلام والاستقرار والعدالة. كانت فترة التسعينات من القرن الماضي وهم يعملون بصخب على ممارسات الهيمنة وكيف يتعاملون مع روسيا الساقطة، أشد سنوات القرن احتداماً.

لقد اتضح أنه من الضروري، لإعادة بناء النظام، التشاور الواسع، مثل كان في الأربعينات، وما كان الأميركيون المنتصرون مستعدين لذلك وسط ثقة متزايدة بالنفس. وعندما فكروا في ذلك بجدية أيام الرئيس باراك أوباما كان الأوان قد فات، وصار الجميع يبحثون عن بدائل جزئية أو كلّية.

إنّ ما جرى ويجري في عهد ترمب لا يدل على ضعف النظام الأميركي ولا على تصدعه. لكنَّ نظام العالم الحالي قائم على التزامات متبادَلة، وإذا انسحب منها أو من معظمها الأميركيون فهل يبقى نظام العالم الذي صنعته الولايات المتحدة شاهداً على التزامها أخلاقيات الحق والسلام والعدالة بعد أهوال الحروب! لقد ترددوا طويلاً بعد الحرب الأولى؛ هل يُكملون البناء الإمبراطوري، لكنهم ما ترددوا أبداً بعد الحرب الثانية وأعلنوا عن بناء نظام عالمي بقيادتهم يجمع بين التفوق الأخلاقي بالديمقراطية واستخدام السلاح النووي للدفاع عنه!

لا أحد يريد الآن تصرفات ترمب العجائبية، حتى بريطانيا المطيعة دائماً. لكن أين البدائل للنظام العالمي الحالي لدى معارضي أميركا ومحاوِلي التفوق عليها أو صنع نظام عالمي جديد؟

الولايات المتحدة لن تتصدع، فهل يتصدع نظام العالم بخروج أميركا منه أو عليه؟

arabstoday

GMT 10:33 2025 الجمعة ,07 شباط / فبراير

تاريخ التهجير

GMT 10:30 2025 الجمعة ,07 شباط / فبراير

الخارج على النظام

GMT 10:29 2025 الجمعة ,07 شباط / فبراير

حملة إيرانيّة على سوريا... عبر العراق

GMT 10:26 2025 الجمعة ,07 شباط / فبراير

«بونجور» ريفييرا غزة

GMT 10:25 2025 الجمعة ,07 شباط / فبراير

إيران: الخوف والتباهي

GMT 10:24 2025 الجمعة ,07 شباط / فبراير

بين الشماغ والكوفية

GMT 10:23 2025 الجمعة ,07 شباط / فبراير

من التصفية إلى التهجير!

GMT 10:22 2025 الجمعة ,07 شباط / فبراير

ليبيا المستقرة تعود بالنفع على الجميع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

توقعات الانهيار والبدائل العجيبة توقعات الانهيار والبدائل العجيبة



هيفا وهبي تعكس الابتكار في عالم الموضة عبر اختيارات الحقائب الصغيرة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 13:06 2025 الجمعة ,07 شباط / فبراير

محمد سعد يحتفل بنجاح "الدشاش" بطريقته الخاصة
 العرب اليوم - محمد سعد يحتفل بنجاح "الدشاش" بطريقته الخاصة

GMT 09:58 2025 الخميس ,06 شباط / فبراير

قربى البوادي

GMT 12:49 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

حورية فرغلي تلحق قطار دراما رمضان بصعوبة

GMT 10:17 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

لعن الله العربشة والمتعربشين
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab