لبنان واستعصاء الإدارة السياسية

لبنان واستعصاء الإدارة السياسية

لبنان واستعصاء الإدارة السياسية

 العرب اليوم -

لبنان واستعصاء الإدارة السياسية

بقلم - رضوان السيد

في قريتنا الجبلية، وإلى ما قبل منتصف القرن الماضي كانت لدى الفلاحين والرعاة مشكلتان: مشكلة الأفاعي، والأخرى مشكلة الذئاب. ونادراً ما استطاعت الأفاعي أو الذئاب قتل إنسان، إنما كان القتل يقع بالمواشي ومرة واحدة بطفل. ومناسبة ذِكر ذلك كله هنا إقبال أجدادنا أمام مواقد النار في الشتاء على قَصّ قصصهم مع الأفاعي ومع الذئاب، والتركيز في القَصّ كان على «الحيلة» وليس على القوة، وصار الأمر مَثَلاً: أحاديثهم كأحاديث الحيّات، يعني أنها لا تنتهي، وعدوانيته أكبر من عدوانية الذئب في الشتاء!
الإدارة السياسية في لبنان منذ سنوات وسنوات مليئة بالأفاعي والذئاب، إنما الفرق أنّ تلك الكائنات المؤذية لا تكاد تنفعُ فيها الحيلة أو القوة! نموذج مثل نموذج جورج قرداحي ماذا تستطيع أن تفعل لتتقي شرَّه بالحيلة أم بالقوة. هو كائن من صناعة وسائل الإعلام، إنما في أي مشكلة عرضت له أو معه يهمه أن يوحي شخصه بالقوة أو بالأهمية والخطورة وليس بالإقناع أو التعقل. عندما قيل له: استقِل لإنقاذ الحكومة المتهافتة، قال: إلى ماذا تذهبون؟ أنا بكل الحكومة! وما مضت أيام حتى صارت حكايته مثل حكايا الأفاعي في فصل الصيف الممتد طويلاً بلبنان هذا العام! فقد وصل أمر التدخل في حالته والتأكيد على مبادئه الهائلة من بيروت إلى طهران، مع أوصاف وأقاصيص حول الضغوط والمرغبات التي لم تستطع ثنْي رُمحه المقوَّم أو سيفه الصمصام!
ولأنّ حَيْل وحِيَل وقصص رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من أجل البقاء لا تكاد تنتهي، فقد كانت إحداها وقد مضى إلى غلاسكو تكليف وزير الخارجية في الحكومة عبد الله بو حبيب بإقناع الأميركان بدعم حكومته. وفي هذا الصدد قام الرجل بعملٍ جليل، فقد استطاع إقناع القائم بالأعمال في السفارة الأميركية بالحضور وأشهد على كلامه معه عدداً من زملائه الوزراء الموالين لرئيس الحكومة. وفي حين صمت الجميع في الإعلام على هذه المسخرة، أقبل الدبلوماسي العريق على الحكايا التي لا تنتهي، فمرة: شو هَودي العرب (!)، وهي مشكلة وليست أزمة، ولم ننجح حيث توقعنا، ولو لم تكن عندهم سوق لما جرى التهريب! ولولا ستر الإعلام (الذي يكشف عادة ولا يستر!) لنزلت بنا معه قبل العرب قصة شربل وهبي من جديد.
كانت الدبلوماسية اللبنانية، كما كان الإعلام مضروباً بهما المثَل في الدقة والاحتراف. إنما لا يجوز العودة هنا إلى «الماضي المجيد» الذي اعتدنا على النواح عليه في زمن الانحطاط هذا، ويا ما أحلى حكايا الأفاعي والذئاب! يقع حدثٌ يسقط فيه سبعة قتلى بين حيي الطيونة وعين الرمانة، وبدلاً من اللجوء إلى التهدئة أو انتظار نتائج التحقيق، بسبب الحساسية الطائفية، يخرج طرفٌ مسلَّح ليقول إنّ عنده مائة ألف مقاتل، وهذا من اللبنانيين، فكيف إذا استعان بغيرهم من أنصاره من خارج لبنان! أما الطرف الآخر فينهمك في الافتخار باعتبارات الكرامة والإباء، وبالطبع فإنّ القتلى لا يستطيعون الإفادة لا من تعاظم قوة هذا الطرف، ولا من ارتفاع اعتبارات الكرامة عند ذاك!
إنّ خلاصة الأمر، أنّ الإدارة السياسية في البلاد في عهد الرئيس عون صارت شديدة الاستعصاء، ومن الرئيس نفسه وإلى سائر أعضاء العصبة الغريبة التي تلتف من حوله، وتُخرج بأقاصيصها وغرائبها وتنمرها لبنان ليس من العرب فقط؛ بل ومن العالم أيضاً!
لقد مضى رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي إلى غلاسكو باسكوتلندا حيث يعقد مؤتمر المناخ العالمي، ليلتمسَّ حلاً للمشكلة التي أَوقعها قرداحي وغيره مع دول الخليج. وهناك اجتمع بالفعل مع مسؤولين عرب وأجانب ورجاهم التوسط. بينما هو يعرف أن كل مشكلات لبنان الماضية والحالية حاضرة في حكومته، وإذا تعذر الحل مع الداخل المعتدي والمتنافر، فكيف سيحلُّ المسألة الفرنسيون والأميركيون؟ ثم إنّ الداخل اللبناني مشتبكٌ ومتشابك، فإذا كان العهد قد استجلب معه مجموعته الخاصة الغريبة؛ فإنّ حلفاءه المسلحين أفظع هولاً وهم الذين كانوا ولا يزالون يرتهنون حكومة الميقاتي بسبب قضية المحقق العدلي البيطار! فإذا انحلّت قضية القرداحي (وهي لن تنحلّ إلا بالعودة للعرب)، فكيف ستنحلّ قضية الحزب المسلَّح في الحكومة بقواته المائة ألف بداخل لبنان ومثلها من خارج لبنان!
هو قَصص أفاعٍ وذئابٍ بالفعل، لكنه ليس غابراً مثل حكايا القرية الجبلية، بل هو حاضرٌ فاقعٌ يفجئك كل يوم بفظائع لا تستطيعها الوحوش الكواسر!
طالبتُ في مقالة بموقع «أساس» باستقالة رئيس الحكومة. وهذا في الحقيقة مطلبٌ قديم. فمنذ العام 2008 وبالتحديد السابع من مايو (أيار) عندما احتلّ الحزب المسلَّح بيروت، ما عادت هناك رئاسة للحكومة. فخمسة رؤساء أتوا من بعد (وبينهم الرئيس ميقاتي مرتين) خضعوا خضوعاً شبه كاملٍ للسلاح أو لوهجه، وما استطاعوا أو حاولوا القيام بصلاحياتهم الدستورية، ولا استطاعوا حفظ هيبة الدولة أو المنصب. وفي سنوات الرئيس الحالي الخمس تلهّى رؤساء الحكومة بالصراع أو اللعب مع رئيس الجمهورية ذي الطبيعة الخاصة، أما الآن فينكشف ما وراءه ومَنْ وراءه: الحزب المسلَّح! فحتى قرداحي وجد دعماً وحماية من جانب المسلَّحين؛ لأنّ في أقواله وتصرفاته انعزالاً عن العرب والعالم، وهي آلياتٌ لا بديل عنها لاكتمال الخراب!
نعم، لماذا يتحمل رئيس الحكومة دائماً أوزار آلة ضخمة تعطلت وتفككت، ولا يزال راكبوها يمعنون فيها ضرباً واصطداماً وتخريباً كأنما هم ليسوا على ظهرها. رئيس الحكومة جالس في المقدمة كأنما هو السائق وهو ليس كذلك، والآلة المعطلة يجري تجاذبها باتجاهاتٍ مختلفة!
ماذا تفيد الاستقالة؟ إن لم تكن احتجاجاً؛ فإنها تشكّل رفعاً للمسؤولية ولو بعد فوات الأوان. رئيس الحكومة في النظام اللبناني هو رئيس السلطة التنفيذية في البلاد، وهو السلطة الدستورية الوحيدة بين السلطات الثلاث الذي يمارس السياسة في الإدارة، ويستقيل ويقيله المجلس النيابي ويتعرض للمحاسبة. وبدلاً من أن يصبح بذلك كله أقوى السلطات صار أضعفها لقابلية الخمسة الذين توالوا على المنصب من قرابة السنوات العشر للابتزاز وخضوعهم للرئيس الغريب والحزب المسلح خوفاً وطمعاً. ولذا؛ فإنّ الإدارة السياسية صارت مستعصية. لقد كان ينبغي الهرب من عون وعهده، ومن الحزب وسلاحه من زمان - أو نبقى وتبقى البلاد بين الأفاعي والذئاب، وهي لم تعد حكايات، بل وقائع!

arabstoday

GMT 03:41 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

ثلثا ميركل... ثلث ثاتشر

GMT 03:35 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

مجلس التعاون ودوره الاصلي

GMT 03:32 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

عندما لمسنا الشمس

GMT 03:18 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

رسالة إلى دولة الرئيس بري

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان واستعصاء الإدارة السياسية لبنان واستعصاء الإدارة السياسية



إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 13:51 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين
 العرب اليوم - مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 06:48 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

دليل لاختيار أقمشة وسائد الأرائك وعددها المناسب وألوانها
 العرب اليوم - دليل لاختيار أقمشة وسائد الأرائك وعددها المناسب وألوانها

GMT 15:16 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

صفارات الإنذار تدوي في تل أبيب أثناء محاكمة نتنياهو

GMT 12:39 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

هل يتحمل كهربا وحده ضياع حلم الأهلى؟!

GMT 07:38 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 08:34 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

جديد في كل مكان ولا جديد بشأن غزة

GMT 04:35 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إنزال إسرائيلي قرب دمشق استمر 20 دقيقة

GMT 16:56 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

السيتي يعلن وفاة مشجع في ديربي مانشستر

GMT 20:06 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

انتشال 34 جثة من مقبرة جماعية في ريف درعا في سوريا

GMT 10:58 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

ضربة جوية أمريكية تستهدف منشأة تابعة للحوثيين باليمن

GMT 08:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab