معضلة الشباك

معضلة الشباك

معضلة الشباك

 العرب اليوم -

معضلة الشباك

بقلم - عادل درويش

قانون جديد في أسكوتلندا يستحق دراسته عالمياً في حاجة المجتمع له، ووضوح صياغته، بعد تحوله في اليوم الأول لتطبيقه إلى مهزلة ذكرتني بعبارة مصرية تساؤلية «أفتح الشباك ولا أقفل الشباك؟».

أصل العبارة يعود لعام 1961 عند عرض مسرحية «القضية» للمفكر والقصاص والمسرحي المصري المرحوم لطفي الخولي (1929-1999).

في جلسة المحكمة، القاضي يغرم رجلاً بسيطاً لأنه فتح شباكاً جديداً لتهوية مسكنه بلا ترخيص مسبق من البلدية؛ ونفاجأ بأن القضية التالية للرجل نفسه، يتعرض لغرامة أخرى لأنه «سد الشباك» المخالف بلا ترخيص جديد. وتتكرر المخالفات للرجل المسكين، لأن مفتش البلدية في مروره يكتشف تكرر تغير مظهر الجدار، ولا يجد في السجلات مراسلات بوجود إذن بتغيير شكل الشباك. الرجل يجد نفسه يخرق القانون (الذي لا حاجة له من الناحية العملية في حالة موقع منزله) عندما يحاول إصلاح الخطأ الذي ارتكبه أصلاً، سواء فتح الشباك أو سده، لأن القانون لا يفرق بين الفعلين أيهما ضار أو نافع، فالمهم «الترخيص المسبق». ويصرخ الرجل مطالباً بالإجابة «أفتح الشباك ولا أقفل الشباك؟» الرجل لا يحصل على إجابة، لأن البيروقراطية لا جسم إنساني لها، ولا تتعامل مباشرة مع المواطنين كآدميين أحياء يرزقون، بل مجرد أرقام أو كلمات في السجلات والأوراق، ومن ثم أصبحت استغاثة الرجل في مسرحية ساخرة قولاً شائعاً بين المصريين عندما يواجهون لوائح وقوانين تتناقض والمنطق الطبيعي للعدالة.

المفارقة الساخرة المحزنة أن التطور التكنولوجي في أكثر من ستة عقود، بين «قضية» الخولي وبين القانون الجديد، جعل الإجابة عن سؤال «أفتح الشباك ولا أسد الشباك» شبه مستحيلة، فلا يوجد مفتش بلدية يشرح الأمرـ وإنما تكنولوجيا جامدة وذكاء اصطناعي تحركه لوغاريتمات المعادلات الرياضية، وهو ما جعل تطبيق القانون الأسكوتلندي الجديد شبه مهزلة، لتناقضه مع المنطق الطبيعي للعدالة.

أسكوتلندا، كبلد من مكونات المملكة المتحدة الأربعة، لها برلمانها وحكومتها، بزعامة حمزة يوسف، هي تحالف (ليس ائتلافاً بل اتفاق مساندة برلمانية) مع كتلة «الخضر» بسبع مقاعد، فمقاعد القوميين الأسكوتلنديين (63) من دون الأغلبية المطلوبة (65 صوتاً).

حكومة أسكوتلندا الحالية هي الأكثر يسارية بين الحكومات الثلاث غير المركزية في المملكة (إمارة ويلز، مثل أسكوتلندا اتفاق تعاون عمل بين «العمال» الذين ينقصهم صوت واحد عن الأغلبية و«القوميين الويلزيين»، وآيرلندا الشمالية حكومة مشتركة بين الجمهوريين وبين المجموعات الوحدوية الموالية للتاج). رئيس حكومة أسكوتلندا يوسف، سياساته وأفكاره يسارية، واعتماده على «الخضر» اليساريين للتصويت البرلماني أدى إلى اصطباغ معظم القوانين الجديدة بألوان راديكالية بالنسبة للمزاج العام للمجتمع البريطاني، ويعدها الوسطيون، بخاصة الأجيال الأكبر سناً، «متطرفة»، وهو ما حدث في صياغة القانون الجديد المعروف بـ«قانون 2021 لجرائم الكراهية والنظام العام». القانون صنف مجموعات عرقية ودينية، وأخرى يصنفون كأقليات أو جماعات لا تدخل ضمن التصنيف الطائفي، لكنها تتعرض للكراهية.

تعبيرات كـ«الكراهية» و«العنصرية» و«المسيوجينية»، على سبيل المثال لا الذكر، هي نسبية وغير محددة التعريف لغوياً أو قانونياً، ويقضي المحامون وقتاً طويلاً في المحاكمات لإقناع المحلفين بقبول تعريف لصالح موكليهم؛ فما بالك بالوكالة الأولى التي يقع عليها تسجيل مخالفة القانون الجديد؟

البوليس الأسكوتلندي في مأزق، فالقانون يلزمهم بتحري كل بلاغ والتحقيق فيه، لكنهم تلقوا 3800 بلاغ في اليوم الأول بمعدل بلاغ كل دقيقة عن مخالفة لقانون الكراهية الجديد، وهو خمسة أضعاف مجموع البلاغات اليومية عن الجرائم والمخالفات (790 بلاغاً).

المدافعون عن حرية التعبير، وجماعات الحقوق المدنية، كانوا حذروا من عدم وضوح القانون، وبجانب تهديد القانون لحرية النشر، فإنه سيحول إمكانات وجهود البوليس وجهات العدالة بعيداً عن خدمات يعدها المواطن أكثر أهمية وحاجة للمجتمع.

مصادر البوليس الأسكوتلندي كشفت أن أكبر عدد من البلاغات في حق شخص واحد كانت ضد رئيس الوزراء نفسه حمزة يوسف لتصريحات عدّها الشاكون «كراهية ضد البيض». وكان يوسف اشتكى في السابق من أن غالبية الوظائف في أسكوتلندا يحتلها البيض (95.4 في المائة من سكان أسكوتلندا من البيض)، لكن البوليس قرر ألا يحقق في مخالفات بأثر رجعي.

معظم البلاغات اتخذت طابع السخرية. جوان راولينغ مؤلفة روايات هاري بوتر قالت على منصات التواصل الاجتماعي: «المرأة هي من ولدت أنثى فقط» (مقولة يعدها البعض تعبيراً عن الكراهية)، وتحدت البوليس الأسكوتلندي أن يتخذ إجراءات ضدها؛ بينما انتحلت إحداهن شخصية شيفون براون، الوزيرة المسؤولة عن القانون نفسه وأبلغت عن مخالفة القانون. حمزة يوسف نفسه اشتكى على «تويتر» من عبارات مسيئة عدّها عنصرية «وإسلاموفوبية»، كُتبت على جدار في دائرته الانتخابية؛ لكنها من الناحية القانونية، جريمة إتلاف ممتلكات، لا كراهية بتصنيف القانون نفسه.

الأسابيع المقبلة ستبين ماذا كان رئيس الوزراء الأسكوتلندي سيغلق الشباك أم يتركه مفتوحاً لرياح السخرية والهزل التي تزيد من أعباء وكالات تطبيق القانون والعدالة؟

arabstoday

GMT 01:46 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بائع الفستق

GMT 01:44 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

على هامش سؤال «النظام» و «المجتمع» في سوريّا

GMT 01:42 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

دمشق... مصافحات ومصارحات

GMT 01:40 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

السعودية وسوريا... التاريخ والواقع

GMT 01:38 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

ورقة «الأقليات» في سوريا... ما لها وما عليها

GMT 01:36 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

امتحانات ترمب الصعبة

GMT 01:33 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

تجربة بريطانية مثيرة للجدل في أوساط التعليم

GMT 01:29 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

موسم الكرز

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معضلة الشباك معضلة الشباك



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:07 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

تامر حسني يكشف حقيقة عودته لبسمة بوسيل ويصدم الجمهور
 العرب اليوم - تامر حسني يكشف حقيقة عودته لبسمة بوسيل ويصدم الجمهور

GMT 19:57 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 06:40 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

2024 سنة نجاحات مغربيّة

GMT 06:32 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

هل قرأت افتتاحية «داعش» اليوم؟!

GMT 08:12 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

ممرات الشرق الآمنة ما بعد الأسد

GMT 09:29 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

للمرة الأولى بعد «الطائف» هناك فرصة لبناء الدولة!

GMT 14:10 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

رسميا الكويت تستضيف بطولة أساطير الخليج

GMT 06:30 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

ما تم اكتشافه بعد سقوط النظام السوري!

GMT 11:26 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا يتفقدان سجن صيدنايا في سوريا

GMT 14:14 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 4.7 درجة يضرب مدينة "سيبي" الباكستانية

GMT 14:10 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

جيش الاحتلال يرصد إطلاق صاروخين من شمال غزة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab