الذاكرة وسيلة للارتقاء بعالمنا العربي

الذاكرة وسيلة للارتقاء بعالمنا العربي

الذاكرة وسيلة للارتقاء بعالمنا العربي

 العرب اليوم -

الذاكرة وسيلة للارتقاء بعالمنا العربي

بقلم - د. آمال موسى

كلما كانت الذاكرة الجمعية غنية بالأحداث والشخصيات والمعاني والرموز أثبت المجتمع تجذره في التاريخ والفعل والوجود، ذلك أن جزءاً من عظمة المجتمعات يكمن في تاريخها.
غير أن العلاقة بالذاكرة بقدر أهميتها فإنها تحتاج إلى حكمة وعقلانية ومعالجة وعلاج.
طبعا لا شك في أن توظيف الذاكرة مظهر إيجابي ومهم. والمجتمعات التي لا تهمل ذاكرتها وتعتني بها هي مجتمعات جديرة بالاحترام والتقدير لأنها تحمي في جزء منها. بل إن الذاكرة المجتمعية والوطنية بما تحمله من رأسمال رمزي فهي مورد من موارد الاستثمار المتعدد الأهداف والمجالات.
في هذا السياق نشير إلى أن المجتمعات العربية بحكم عراقتها في الحضارة الإنسانية فإننا أمة تمتلك ذاكرة غنية وثرية. وكل بلد على حدة له ذاكرة مخصوصة تمكنه من القيام بعمليتي الاستثمار والتوظيف المطلوبتين.
من المهم الإشارة إلى أن الذاكرة الغالبة في بلدان عربية إسلامية عدة هي المتصلة بمعارك التحرير الوطني التي تمثل الذاكرة الأكثر قرباً تاريخياً وأيضاً هي الذاكرة الأكثر قابلية للتوظيف في شتى المواقف. ويكاد لا يخلو أي مقرر بيداغوغي في المدارس العربية اليوم من تفاصيل مقاومة الاستعمار ومعارك التحرير الوطني بكل تفاصيلها.
السؤال اليوم هو حول منهجية التصور الذي يجب أن نبنيه مع الذاكرة الوطنية. فالأمر مهم جداً ومورد ثراء واستثمار، ولكن إذا لم يحظَ بمنهجية حكيمة وعقلانية فإن الاستثمار في الذاكرة يمكن أن يتحول إلى مورد للسلبية والاحتقان. فالحكمة تقتضي أن يتم استدعاء الذاكرة على نحو يخدم الحاضر والمستقبل مع قدرة على التركيز وتقديم ما يندرج ضمن الأهداف المرجوة ويؤسس لتفاعلية إيجابية. ليس المقصود من الحديث عن الحكمة والعقلانية في استحضار الذاكرة الوطنية تزييف الوقائع ولكن التركيز على أن كل ما يؤسس للقطيعة لا يمكن أن يكون في صالح أي طرف.
إن الإمعان في التفاصيل الموجعة في الذاكرة الوطنية قد يمثل أداة تنفيس للأجيال التي عايشت ويلات الاستعمار ودفعت من أجسادها وفلذات أكبادها كثيرا من الألم والقهر، ولكن هل الإمعان في استحضار الأوجاع وتصوير البشاعة الاستعمارية يمكن أن يساعد الأجيال الشابة العربية على الحوار مع الآخر وبناء هوية صحية متوازنة باعتبار أن الإمعان ينتج هوية غير صحية في حالة احتجاج مستمرة وتبني علاقات مأزومة؟
طبعا ليس المقصود محو البشاعة من التاريخ. فالتاريخ يكتب بتفاصيله وبكل ما فيه من قبح إذا كان القبح واقعاً، وهذا مجاله الكتب التي يتعاطى معها المختصون والذين يمتلكون أدوات الفهم والمقاربة والتقويم. في حين أن المعلومات والصور نفسها عندما يتم توظيفها في أطر مفتوحة للجميع على غرار وسائل التواصل الاجتماعي فهي ستنحرف من مجال العرض التاريخي إلى مجال آخر.
فالفرق بين سرد التاريخ وبين الإمعان في سرد المناطق الموجعة البشعة كبير جداً.
ولا يفوتنا أن الشباب مرحلة عمرية حساسة وخطيرة جداً؛ إذ إنه في هذه المرحلة العمرية يتم بناء الهوية الذاتية والجمعية وكلما كانت عملية البناء مشحونة بالأوجاع والصور السلبية كانت هوية الشباب مليئة بالتعثرات والهشاشة. وفي هذا السياق تحديداً بشكل خاص فإن انتداب ملايين الشباب العربي والمسلم قد وظف الأرضية النفسية الحاملة لاستعدادات معاداة الآخر تماماً كما تم توظيف الهشاشة الاقتصادية للشباب الذي وقع في فخ تجار الموت.
فالعملية خطيرة وتحتاج إلى انتباهة ووقفة تأمل؛ فنحن قبل أن نستغرب ونصاب بالصدمة من انحراف الشباب إلى الإرهاب والعنف من المهم أن نقوم بعملية نقدية صريحة معمقة حول دور مضامين الخطاب الثقافي العام والخطاب البيداغوغي التربوي في مادة التاريخ وإلى أي مدى تسهم هذه المضامين في إنتاج شباب متأزم حضارياً ووارث لأحقاد تمنعه من المضي قدماً في بناء هوية متصالحة مع الواقع والحاضر.
يبدو لنا أن قيمة سرد الذاكرة في إظهار مظاهر الصمود التي تؤصل للهوية ولا تكمن هذه القيمة في التركيز على ما تمت معاناته إلا من زاوية تثمين المنجز التاريخي من ناحية الحفاظ عليه والبناء عليه. فبين استعراض بطولات الأجداد وصمودهم وبين تشكيل نفسية انتقامية شعرة واحدة.
نحتاج فعلاً إلى علاقة قوامها الحكمة والعقلانية وإلى الاستثمار فقط في الإيجابي وفيما يسهل التعامل مع الذات والآخر ويسهم في بناء علاقات قادرة على التّجاوز والبناء والاستئناف. فالذاكرة تعتمل بكليتها بشكل تلقائي وطبيعي وعند قرار توظيفها، فمن مصلحة الشعوب والنخب المتعلقة بالمستقبل وبالحوار وبالتواصل بدل القطيعة أن تستثمر في صمود الأسلاف وبطولاتهم وتسرد الأوجاع من باب إظهار التضحيات وتثمين الدماء التي نزفت وليس من باب يمكن أن ينحرف إلى بناء هوية معطوبة.
إن الذاكرة مورد قوة، ومهما كانت الأحداث العاصفة داخلها وقدرة النخب الفكرية والفنية والثقافية تظهر في جماليات التوظيف.

 

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الذاكرة وسيلة للارتقاء بعالمنا العربي الذاكرة وسيلة للارتقاء بعالمنا العربي



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان
 العرب اليوم - غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 08:50 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
 العرب اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 العرب اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية
 العرب اليوم - واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 15:39 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا يوسف تخوض تحديا جديدا في مشوارها الفني

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 17:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 08:16 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف قوات إسرائيلية في الخيام والمطلة

GMT 08:32 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 17:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الشيوخ الأميركي يطالب بايدن بوقف حرب السودان

GMT 23:03 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تكسر قاعدة ملكية والأميرة آن تنقذها
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab