قرار القاضي مازح والدولة اللبنانية الخرساء

قرار القاضي مازح والدولة اللبنانية الخرساء!

قرار القاضي مازح والدولة اللبنانية الخرساء!

 العرب اليوم -

قرار القاضي مازح والدولة اللبنانية الخرساء

بقلم - راجح الخوري

قبل تشكيل حكومة حسان دياب بعد اندلاع ثورة 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، كان واضحاً أن لبنان تحوّل حلبة ملاكمة بين الولايات المتحدة وإيران، التي كانت وما زالت تردد الزعم، بأنها تسيطر على أربع عواصم عربية بينها بيروت، والمعروف أن انتخاب الرئيس ميشال عون، جاء نتيجة لتسوية هدفها إنهاء الفراغ الرئاسي، الذي تعمّد «حزب الله» فرضه على السلطة التشريعية مدة عامين ونصف العام، كذلك جاء تشكيل حكومة حسان دياب وفقاً لدفتر الشروط الذي فرضه الحزب، بعد اندلاع ثورة اللبنانيين في 17 تشرين الأول الماضي، والتي رفعت شعار «كلن يعني كلن»، بما يعني أن كل الطقم المسيطر في لبنان هو المسؤول عن الأزمة القاتلة التي وصلت إليها البلاد وعليه أن يتنحى!

ليس خافياً أن العقوبات الأميركية كانت تزداد خناقاً على إيران و«حزب الله»، قبل المباشرة في تنفيذ «قانون قيصر» الذي سيزيد العقوبات على الحزب، الذي تصنفه واشنطن وعدد من الدول الأوروبية منظمة إرهابية؛ ولهذا كانت حماوة الملاكمة ترتفع، وبدا واضحاً دائماً أن إيران تريد استخدام هيمنتها الإقليمية من العراق إلى سوريا وصولاً إلى لبنان، كمدخل للعودة إلى الاتفاق النووي مع أميركا بمعزل عن شروط الرئيس ترمب العشرة المعلنة، لكن الرد جاء خانقاً أكثر، وخصوصاً لجهة دور الحزب في سوريا والسعي لجعل لبنان دائماً شريان تنفس للنظام السوري في مواجهة العقوبات.

وسط هذه الأجواء المتشنجة جداً اختارت طهران توجيه رسالة دبلوماسية إلى الإدارة الأميركية، عندما قفز فجأة قاضٍ للأمور المستعجلة في منطقة صور يدعى محمد مازح، ليصدر قراراً غريباً عجيباً بمنع السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا من الإدلاء بالتصريحات، وأيضاً بمنع وسائل الإعلام اللبنانية والأجنبية من إجراء أي مقابلات معها أو نقل تصريحاتها تحت طائلة سلة من العقوبات المستهجنة تماماً!

جاء ذلك رداً على تصريح كانت قد أدلت به السفيرة يوم السبت الماضي إلى «الحرة»، وكررت فيه الموقف الأميركي المعروف الذي ورد مراراً على لسان وزير الخارجية مايك بومبيو، من أنه لدى واشنطن مخاوف كبيرة من دور «حزب الله» في الحكومة اللبنانية، وكذلك اتهمت شيا الحزب، في تصريح إلى محطة «الحدث» بأن تدخلاته في السياسة اللبنانية، تتم على مستوى دولة داخل الدولة، واتهمته بإعاقة الإصلاحات الاقتصادية، وخصوصاً في وقت ينخرط لبنان في محادثات مع صندوق النقد الدولي، ومن الواضح أن هذه التصريحات لا تخرج عن الموقف المعروف الذي تكرره الخارجية الأميركية في حديثها عن الحزب!

كان قرار القاضي مازح مستهجناً وعاصفاً وأثار ضجة لبنانية وإقليمية وبات الوضع أشبه بعصفورية حقيقية، وخصوصاً أن لا ياسر عرفات هدد بمعاقبة السفراء والصحافيين، يوم كان يحكم بيروت من صبرا، ولا غازي كنعان ورستم غزالي فعلا ذلك على رغم الإدارة السورية للبنان، وإن كان تاريخ الصحافة في لبنان عرف من الدم عبر الصحافيين الذين تعرضوا للاغتيال منذ أيام رياض طه إلى أيام جبران تويني، أكثر مما عرف من الحبر!

فوراً أصدر المحامون في «حزب الله» بياناً يرحب بقرار القاضي مازح، واعتبروه «تدبيراً رادعاً للسفيرة يمنعها من الإدلاء بتصريحات تهدف إلى زعزعة الاستقرار الوطني»، لكن بدا وكأن إيران تعمدت توجيه هذه الرسالة إلى واشنطن، عندما قررت الرد أيضاً على السفيرة، فقالت بالحرف: «كلما ثرثرت أكثر، بهدلت نفسها وبلادها أكثر، وهي لا يحق لها أن تنال من بلد آخر، من خلال الأراجيف التي تختلقها»، ولكأن تعليق السفارة الإيرانية على شأن لبناني، ليس تدخلاً مستهجناً ومن الأراجيف، ربما على خلفية ادعاء طهران باعتبار السيطرة على بيروت!

دعونا من «قانون فيينا» الذي يحمي السفراء ويحدد حقوقهم في البلدان التي ينتدبون إليها، وتعالوا إلى ما هو أكثر فضائحية من قرار القاضي المذكور، أي إلى حال الضياع والتناقض التي سيطرت على مواقف الحكومة اللبنانية، قبل أن تذهب السفيرة شيا يوم الثلاثاء الماضي لمقابلة وزير الخارجية ناصيف حتي وبعد أن قابلته، وخرجت مكتفية بالقول للصحافيين حفاظاً منها على ماء وجه الدبلوماسية اللبنانية من غير شرّ، «إن الصفحة طويت».

رغم الضجة التي أثيرت حول الموضوع، لم يكن قد صدر أي تعليق من العهد أو أي مرجع رسمي للاعتذار عن قرار مازح، الذي لا يضرب العرف الدبلوماسي وعلاقات لبنان مع الولايات المتحدة فحسب، بل يضرب جوهر الدستور اللبناني في نصه على حرية التعبير عن الرأي، على الأقل بالنسبة إلى الحرية الإعلامية التي ننادي بها سلطة رابعة، والغريب أن رئيس الحكومة حسان دياب كان قد أصرّ يوم الاثنين على نفي كل المعلومات التي تحدثت عن اتصال أجراه مرجع رسمي مع السفيرة للاعتذار عن قرار مازح، بما أوحى وكأن الحكومة راضية عنه، أو أنها تخشى الظهور أمام «حزب الله» بمظهر من يقبل بتقديم الاعتذار عما اعتبره الحزب عملاً مهماً من القاضي مازح!

غريب، حتى وزير الخارجية ناصيف حتي، لم يوح بتقديم أي نوع من الاعتذار بعد مقابلته شيا؛ ولهذا بالتأكيد بدت السفيرة أكثر جرأة وصراحة من كل هذه الدولة اللبنانية المرتبكة، عندما أعلنت صراحة أنها فعلاً تلقت اعتذاراً من مرجع رسمي، وأن الحكومة اعتذرت والصفحة قد طويت!

الذي طُوي أيضاً أن القرار الذي اتخذه القاضي مازح أو ربما دُفع لاتخاذه، والذي يسيء إلى علاقات لبنان وسمعته الدبلوماسية كما يسيء إلى حرية الإعلام اللبناني والأجنبي في بيروت، دفع إلى استدعاء القاضي مازح إلى المثول أمام لجنة التحقيق القضائية، للنظر في أهليته في ممارسة مهنته؛ ما أدى به إلى إعلان استقالته من سلك القضاء موفراً على نفسه الوقوف أمام لجنة التحقيق، ربما على خلفية من يقنعونه بأنه قام بعمل وطني!

السفيرة شيا تقول إن العبارة التي استخدمتها كانت مجرد زوبعة في فنجان، ولم تتضمن أي شيء جديد في الموقف الأميركي، الذي يصنف «حزب الله» إرهابياً ويفرض عليه عقوبات ستتزايد من «قانون قيصر»، وأضافت «لكنهم خلقوا إلهاءً، وأعتقد أنه إلهاء غير ضروري وغير مساعد»، بمعنى أن ازدياد الخناق عليهم لا يمكن تغطيته بإثارة «زوبعة مازح» وأن استخدام قاضٍ أو محاولة استصدار قرار محكمة لإسكات الإعلام ولإسكاتي ولحرمان الشعب اللبناني من حرية التعبير وحرية الإعلام هو أمر سخيف والشعب اللبناني لا يوافق عليه!

كانت رسالة إيرانية واضحة إلى الولايات المتحدة عبر الحلبة اللبنانية الساخنة، لكن من خلال خيار ليس «مازحاً» فقط، بل سيئ أيضاً، لأنه لا يمس بصورة لبنان الدبلوماسية فحسب، بل يحاول كمّ أفواه الإعلام في لبنان، وهذا ما لن يحصل أبداً، وربما كان على السفارة الإيرانية و«حزب الله»، عدم الوقوع في هذا الإحراج الذي أضرّ بلبنان وليس بالسفيرة الأميركية في بيروت!

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قرار القاضي مازح والدولة اللبنانية الخرساء قرار القاضي مازح والدولة اللبنانية الخرساء



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:48 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
 العرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 10:44 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الخليفي يحسم موقف باريس سان جرمان من ضم نجم ليفربول صلاح
 العرب اليوم - الخليفي يحسم موقف باريس سان جرمان من ضم نجم ليفربول صلاح

GMT 09:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
 العرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 14:49 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إياد نصار يُشوق متابعيه لفيلمه الجديد ويُعلِّق
 العرب اليوم - إياد نصار يُشوق متابعيه لفيلمه الجديد ويُعلِّق

GMT 08:36 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها

GMT 10:02 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نقل عدوى لبنان إلى العراق

GMT 06:33 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ثلاث دوائر

GMT 08:28 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

منة شلبي توجّه رسالة شكر لجمهور السعودية بعد نجاح مسرحيتها

GMT 06:46 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

العلاقات التركية السورية تاريخ معقد

GMT 07:12 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ماذا وراء موقف واشنطن في حلب؟

GMT 07:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 23:47 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

فيفا يعين الأميركية جيل إليس رئيس تنفيذى لكرة القدم

GMT 01:25 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

وفاة 143 شخصًا بمرض غامض في الكونغو خلال أسبوعين

GMT 10:21 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

"أرامكو" السعودية توقع اتفاقية مع شركتين لاستخلاص الكربون

GMT 17:28 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

وحدات الجيش السوري تسقط عشرات الطائرات المسيرة في ريف حماة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab