بقلم: دكتور زاهي حواس
لا أعرف حتى الآن السبب المباشر للشائعات والأكاذيب التى يقوم بها البعض بغرض نشر الإحباط وعدم الثقة، فقد انتشرت فى كل مكان الأسبوع الماضى أخبار ومقاطع فيديو تدّعِى أن مستر بيست قام بتأجير الأهرامات!، وبكل تأكيد فإن هذا لم يحدث، وليس من حق أى شخص أو كيان أن يؤجر الآثار. إن ما قاله مستر بيست بالنص كالآتى:
We got the Egyptian pyramids for 100 hours
والترجمة: «لقد حصلنا على الأهرامات لمدة مائة ساعة».
ومن حق أى إنسان أو أى محطة تليفزيونية دفع الرسوم التى أقرها المجلس الأعلى للآثار للتصوير لأى مدة من الوقت وأيضًا من حق أى شخص أن يصور فى غير مواعيد العمل الرسمية نظير دفع الرسوم، وهذا ما حصل عليه مستر بيست، الذى سوف يُعرض برنامجه فى شهر يناير، وسوف يشاهده أكثر من ٤٠٠ مليون شخص، فهل المقصود هو تدمير كل شىء جميل؟!، أو هل المقصود هو تحويل النجاح إلى فشل، وبالتالى تصدير الإحباط إلى الناس؟. أسئلة لابد من أن نجيب عنها جيدًا لكى نَعِى ما يحدث من بعض مَن يعيشون بيننا ويخفون وجههم الحقيقى.
جاء مستر بيست إلى مصر، وإذا كان عمرك قد تخطى الـ٢٠ عامًا فأكثر الظن أنك لا تعرف مَن هو مستر بيست!، حيث إن معظم متابعيه من الفئة العمرية بين التاسعة إلى العشرين سنة. ولك أن تتصور أن هذا الشخص يتابعه حوالى ٧٠٠ مليون متابع على وسائل التواصل الاجتماعى المختلفة. كنت أصور معه داخل الهرم، وعندما علم ابن صديقى هشام جاد الله أن مستر بيست فى الهرم كاد يطير فرحًا!، وتمنى فقط لو أنه التقط صورة معه.
مستر بيست هو اسم البرنامج الذى يقدمه جيمى، وعمره ٢٥ عامًا، وجمع ثروة تُقدر بنصف مليار دولار. وهو يستخدم محطته على يوتيوب للإعلان عن برامجه، التى تمتاز بمقاطع الفيديو السريعة، بالإضافة إلى تقديم الهدايا. ولديه حوالى ٣١٩ مليون مشترك على يوتيوب، ما يجعله صاحب أكبر عدد من المشتركين، بالإضافة إلى أكثر من ١٠٤ ملايين متابع على تيك توك و٦٠ مليونًا على إنستجرام. وقد قال لى إنه بدأ وعمره تسع سنوات، وكانت أمه ترفض تمامًا أن يكرس حياته لعمل برنامج على الإنترنت. ولكن بعد هذا النجاح الكبير أصبحت أمه فخورة به جدًّا. وهو يعيش فى مدينة صغيرة بجوار مدينة شارلتون فى شمال كارولاينا. ويُدير أيضًا عدة قنوات، كما أسس علامات تجارية مستر بيست برجر وغيرها.
وُلد جيمى فى ٧- ٥- ١٩٩٨، فى مدينة مجاورة لكانساس سيتى، ويعيش الآن كما ذكرنا بالقرب من شمال كارولاينا. تخرج فى مدرسة ثانوية خاصة عام ٢٠١٦، والتحق بجامعة شرق كارولاينا، ولكنه لم يُكمل دراسته. أول فيديو عمله على يوتيوب فى بداية ٢٠١٢ وهو فى الثالثة عشرة من عمره. وهو يتبرع بالملايين، ولذلك اعتُبر أكبر فاعل خير على يوتيوب.
قرر أن يقوم بعمل برنامج من منطقة الأهرامات، ولذلك فمن المفترض أن يقيم لمدة سبعة أيام بالقرب من الأهرامات، وقد ساعدته لإنجاح هذا البرنامج والترويج للسياحة بمصر. وقد قام المجلس الأعلى للآثار بتطبيق قوانين التصوير المقررة ودفع رسوم التصوير فى غير مواعيد العمل، وهذا مُتاح للجميع دون استثناء. لقد جاء إلى مصر، ومعه قافلة كبيرة من الممثلين والمنتجين، وبلا شك أن هذا البرنامج هو دعاية كبيرة جدًّا لمصر. وقد طلب منى المنتج شون أن أقابل مستر بيست، واتفقت معهم على أن أصور معه لمدة يومين فى شهر ديسمبر. واتفقت معهم على المقابلة فى الساعة السادسة صباحًا. وعندما تقابلت معه عرفت أن اسمه جيمى، وحوله حوالى خمسة شباب لا يزيد الواحد منهم عن عمر الـ٢٠ عامًا، وقلت له إننى أود أن أعقد معه اتفاقًا. وشرحت له أنه تصلنى أسبوعيًّا مئات من الرسائل على البريد الإلكترونى، المعروف باسم «بريد المعجبين»، أى أنها تصل لى من المهتمين بحضارة مصر الفرعونية، وقلت له إن هناك بعض الرسائل التى يرسلها مهووسون بفكرة أننى أقوم بالكشف عن أدلة تثبت أن الأهرامات بناها قوم جاءوا من الفضاء ومن القارة المفقودة أطلانتس، وأننى أقوم بإخفاء هذه الأدلة! وهناك أيضًا ما أعلنه منذ فترة قصيرة الملياردير إيلون ماسك أن هناك قومًا من الفضاء هم الذين بنوا الأهرام!. طلبت من مستر بيست أن يكون حَكَمًا بينى وبين هؤلاء الناس. وأن يعلن لهم الحقيقة؛ خاصة أن المتابعين له من الشباب، وأنا أتمنى أن يعرف شباب العالم كله من خلال برنامجه أن الهرم بناه المصريون القدماء، وأن موضوع القادمين من الفضاء وقارة أطلانتس خرافة ووهم. وكان البرنامج للإجابة عن أسئلة من نوعية: هل هناك أنفاق عُثر عليها داخل «أبوالهول»؟، وهل هناك أشياء مدفونة أسفل «أبوالهول»؟، ولماذا رأس «أبوالهول» صغير بالنسبة للجسم؟. لقد أجبت عن كل تلك الأسئلة، التى سوف تُعلن للجميع عند إذاعة ما تم تصويره فى الهرم مع مستر بيست.
دخلنا معًا إلى لوحة الحلم، وشرحت له تاريخ «أبوالهول». وكانت الإجابة عن السؤال الأول: هل هناك أنفاق داخل «أبوالهول»؟، بنعم!، النفق الأول خلف لوحة الحلم، ويمتد داخل جسم «أبوالهول» إلى مسافة ثلاثة أمتار. والنفق الثانى يقع خلف رأس «أبوالهول» من أعلى، ويمتد داخل جسم التمثال إلى مسافة خمسة أمتار، والثالث يقع خلف التمثال، والرابع فى الناحية الشمالية، وهو عبارة عن سرداب لم أفتحه، ولكن فتحه السيد باريز، عالِم الآثار الفرنسى، الذى كان يرمم «أبوالهول» عام ١٩٢٧، ولديه صور العمال داخل سرداب «أبوالهول». ودخلنا معًا فى مغامرة جميلة داخل «أبوالهول»، وقلت لجيمى إننا عثرنا داخل هذا السرداب على قطع فخارية فى موقعها يعود عمرها إلى العصر المتأخر ٥٠٠ عام قبل الميلاد. لقد كان المصريون فى العصر المتأخر يعتقدون أيضًا بوجود أسرار أسفل «أبوالهول»، فقاموا بحفر هذه السراديب، لكنهم لم يعثروا على شىء. وقلت أرجو أن تعلن الآن ما شاهدته. وفى اليوم التالى تقابلنا عند مقابر العمال، بُناة الأهرام، إلى الجنوب من «أبوالهول». وأخبرت مستر بيست أن هذا الكشف يؤكد أن المصريين هم بناة الأهرامات، وأنها لم تُبنَ بالسُّخرة. وعندما وصلنا إلى الجبانة العليا لمقابر العمال، دخلنا مقبرة أحد الفنانين، والتى يوجد بها نص لعنة. وبعد ذلك قمت بالكشف عن هيكل عظمى لأحد العمال، وقلت له: كما ترى، فإن بُناة الأهرامات لم يكونوا عمالقة أو سكانًا من الفضاء، بل مصريون علموا العالم، وهدوا البشرية إلى طريق العلم والحضارة.
أما المغامرة الكبرى التى لم أكن أتوقع أن أقوم بها فكانت الدخول إلى الحجرات الخمس التى تعلو حجرة الدفن داخل هرم الملك خوفو. عندما كنت أقوم بهذه المغامرة فى سن الشباب كنت دائمًا أخاف ألا أعود من هذا المكان لخطورة التسلق، ولكن قررت أن أقوم بهذه المغامرة مع مستر بيست مهما حدث لأننى أردت أن أجعله يقرأ معى أسماء فرق العمال التى شاركت فى بناء الأهرامات. ووافق المسؤولون عن الآثار بدخول خمسة أفراد فقط، وتسلقنا سلمًا طوله ٧ أمتار، ودخلنا من فتحة لا تزيد على ١/٢ م، ومن خلال ممر ضيق صعدنا زحفًا إلى الحجرة الخامسة، التى توجد بها أسماء فرقة العمال، «أصدقاء الملك خوفو». وبعد المغامرة، قام مستر بيست بشكر الحكومة المصرية. ونزلت، ووجهى وملابسى مغطاة بالتراب والعرق، وكل هذا من أجل معشوقتى مصر.