بقلم : مشاري الذايدي
الأحلام جميلة، وبعضها مخيفة، لكنها تظل احتماليات لتشكيل الواقع الجديد، وليست هي الواقع نفسه... أحلام.
أي عاقل، سليم التفكير، لا يحمل جينات نفسية عبثية تدميرية، يتمنى من «تامور» قلبه (التامور هو الغشاء المحيط بالقلب) أن تكون غزة إقليماً مزدهراً سالماً منتعشاً جاذباً لكل استثمارات العالم وسياحه، كما قال ترمب «ريفييرا» الشرق الأوسط على ساحل شرق البحر الأبيض المتوسط... أو سنغافورة جديدة.
فكرة ترمب هذه عن تخيل غزة، ليست جديدة فقد ترددت فكرة تحويل غزة إلى سنغافورة بعد اتفاق أوسلو في 1993 في عهد الرئيس الأميركي بيل كلينتون، إذ حمل الاتفاق وعوداً كبيرة بتحويل غزة إلى «سنغافورة الشرق».
وفي أواخر تسعينات القرن الماضي، العشرين، استخدم الزعيم السياسي الإسرائيلي شمعون بيريز عبارة «صنع سنغافورة من غزة» للتعبير عن رؤية لتحويل قطاع غزة إلى منطقة مزدهرة، على غرار الطريقة التي تطورت بها سنغافورة.
ترمب نفسه، تخيل غزة كذلك من قبل، ففي مقابلة إذاعية مع راديو «مونت كارلو» تزامنت مع مرور عام على هجوم مسلحي «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على إسرائيل، تحدث عن فرص غزة الضائعة، وقال بطريقة شفافة عن غزة: «لم يستفيدوا منها قط. تعرف، كمطور، يمكن أن تكون أجمل مكان، الطقس، الماء، كل شيء، المناخ. يمكن أن تكون جميلة جداً... يمكن أن تكون واحدة من أفضل الأماكن في العالم».
جملة من المجتمع السياسي العالمي، زعماء ومؤسسات، استخفوا بفكرة ترمب، منهم إيهود باراك رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، حين علق على أفكار ترمب حول غزة، لإذاعة الجيش الإسرائيلي، قائلاً: «هذه لا تبدو خطة درسها أي شخص بجدية. يبدو أنها مثل بالون الاختبار، أو ربما محاولة لإظهار الدعم لإسرائيل».
على كل حال، من المحال مشابهة ومطابقة وضع بوضع، دولة بدولة، مجتمع بمجتمع، تجربة بتجربة، فكل في فلك يسبحون.
لا يمكن استنساخ تجربة سنغافورة بحذافيرها في منطقة كغزة، فغزة جزء من حالة اشتباك حضاري تاريخي سياسي إنساني ... وديني أيضاً.
اشتباك لا يخص أهل غزة فقط بل ولا أهل فلسطين، اليهودي والمسيحي والمسلم، كلهم يرى أن هذه القضية تخصه وتمسّه بصفة عاطفية عميقة.
لذلك؛ نرجع لنقطة البدء، وهي الحل العربي المسنود بقرارات دولية أيضاً، حل الدولتين، فلسطينية وإسرائيلية، مع «تفصيل» ملابس خاصة ومبدعة تناسب خصوصية واستثنائية الصراع والأرض في فلسطين وإسرائيل...
غير ذلك لن نرى سنغافورة في غزة ولا ريفييرا... بل الغرق والدماء والدموع والخراب... وبيئة مسمومة تنتج أمثال «حماس» وجماعة فتحي الشقاقي... وبن غفير وسموتريتش... و«بونجور» ريفييرا.