بقلم - سوسن الشاعر
في السبعينات، حين تعرضت الكويت الحبيبة لغزو غاشم لم نسمع صوتاً خليجياً نشازاً يؤيد هذا الغزو، الكل «أنظمة وشعوباً» خليجية وقفوا وقفة رجل واحد مع الكويتيين، لم يكن هناك صوت خليجي ضد تحرير الكويت بالاستعانة بالقوات الدولية، لم تخرج مظاهرات أو وقفات اعتراض أمام السفارات على قرار الاستعانة بالقوات الأجنبية كذلك، بل شاركت قوات خليجية التآلف الدولي لتحرير الكويت وهي أول من دخل مع القوات الكويتية يوم التحرير.
خلال الثلاثين عاماً التي تلت ذلك اليوم جرت مياه تحت الجسور، الجمهورية الإسلامية الإيرانية بدأت تتفرغ لاستئناف تصدير الثورة بعد انتهاء حربها مع العراق، وكانت هناك التنظيمات التي خرجت من عباءة الإخوان كـ«القاعدة» و«التكفير والهجرة» وغيرها، وحصل الانقلاب في قطر وبدأ عهد الحمدين في مهمتهما التي كلفا بها، نجحت تلك القوى مجتمعة في تفتيت هذا الصف الخليجي الموحد الذي أسهمت وحدته في سرعة القرار في تحرير الكويت، بدأ هذا الصف يتخلخل باختراقات الجماعات الدينية، وجاء المال القطري ليزيد من الطين بلة داعماً وممولاً كل من له خلاف مع أي من الأنظمة الخليجية، حتى وصلنا إلى اليوم الذي نحن فيه الآن، وضع لم نستعد له نفسياً أبداً، ونجد صعوبة في تقبله والاقتناع به نحن من نشأنا على أن خليجنا واحد وشعبنا واحد...
كانت لنا هوية عربية بصبغتها ونسختها الجزيرية الخليجية، إلى التسعينات، جذورها تمتد إلى ما قبل التاريخ، وعلى مر العصور ظلت متماسكة تجمعها روابط الدم والقرابة.
ملامحها واحدة وذاكرتها واحدة، جمعهم البحر والبر وأنتج تراثاً متخماً بالإرث الثقافي، ملابسنا وغناؤنا وطعامنا واحد رغم تنوعاته التي أضافها الموقع الجغرافي... كانت هناك هوية تجمعنا كافية لتجعل مصيرنا واحداً أثبتت ذلك في أول امتحان تتعرض له تلك الهوية حين غزا العراق الكويت، فكانت تلك الهوية درعاً جامعاً وحصناً واقياً حافظ على اللحمة العربية الخليجية.
انظر اليوم إلى ما آلت إليه الأمور، شرائح كبيرة من جيل الألفية الثانية خارج هذا الإطار تماماً، لا يعني له وصف «خليجي» شيئاً، لا يجد غضاضة في الوقوف بعضه ضد بعض والخصومة بعضه مع بعض والتبرؤ بعضه من بعض، ولم ندرك خطورة هذا الاغتراب ولم نتحسس حجمه وأثره إلا الآن.
نجحت «الجماعات الدينية» بالتمويل القطري في نزع جذور الانتماء للأرض لتعزيز قيم الأممية حتى يسهل لها تجنيد هذه الشريحة ضد دولها ووطنها، وهي تحاول جاهدة تغيير ملامح هذا الجيل ومحو خصائصه الخليجية وثوابته، وبناء شرائح لا علاقة لها بأرضها ولا بصلات الدم ولا بأي رابط جيوسياسي يجمع بعضها ببعض.
والشرائح التي نجحت هذه الجماعات في استدراجها ها هي تتخلى وتبرأ من هويتها الخليجية وتغير ملامحها، وهكذا يجري تشويه الهوية الخليجية كرابط يستحق «الفزعة»، تأخرنا في الانتباه والحذر، وخرج علينا خليجيون عرب ولاؤهم لقائد إيراني، وآخرون ولاؤهم لقائد تركي، وغيرهم يحرضهم مال قطري على الخروج، فوقفوا ضد دولتهم وبعضهم ضد بعض لصالح أجندات خارجية.
هل أصبحت الهوية العربية الخليجية درعاً مهترئة، كنا نملك كنزاً ثميناً تهاونا في اختراقه وتفتيته وإضعافه، واعتقدنا أن الروابط التاريخية كفيلة بحمايته، فإن تخلينا عن تقويتها وتعزيزها وغرسها من جديد، فإن هذا الموج التغريبي سيكتسح الأجيال القادمة، أرجو ألا يكون الوقت قد فات!