بقلم - سوسن الشاعر
هل تستطيع حروب «الوكالة» التي تخوضها إيران وتركيا لبسط النفوذ في الدول العربية، أن تصمد من دون تدخل مباشر بقوات تركية وإيرانية تجبَر عليه الدولتان لتحقيق أهدافهما؟ هل بدا عجز الوكلاء من أحزاب وميليشيات تخدم الأجندتين الإيرانية والتركية واضحاً في الآونة الأخيرة عن الحفاظ على المكتسبات؟
في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، وفي ظل انتشار الفساد في الدول التي تهيمن إيران فيها على القرار السياسي، أصبح حجم التذمر العراقي واللبناني على وكلاء إيران فوق قدرتهم على صده والتعامل معه، بعد أن فشلت هذه الأحزاب المدعومة إيرانياً في إدارة الدولة، وقد مُنحت الفرصة تلو الأخرى على مدى أكثر من عقد من الزمان، حتى أصبحت المواجهة بين وكلاء إيران والشعب العراقي واللبناني مسلحة وسقط فيها شهداء، ولم تعد خطابات حسن نصر الله تثير اهتمام الشارع اللبناني، ولم تعد هناك قدرة على ضبط الغضب الشعبي ضد «الحشد الشعبي» فأسقطت المظاهرات العراقية مئات الشهداء.
على الجانب التركي يعجز فائز السراج وحكومة «الوفاق» عن تحقيق الإجماع الشعبي، كما عجزت الميليشيات السورية الموالية لتركيا أن تخمد جذوة الغضب الشعبي أو أن تصون الحدود التركية السورية على طول الخط الشمالي، فيخوض الليبيون والأكراد في سوريا والجيش العراقي من جهة أخرى، مواجهات مباشرة مع قوات تركية وقواعد تركية اضطر إردوغان إلى أن يزج بها بعد أن عجز وكلاؤه عن إنجاز المهمة.
صرح إردوغان في فبراير (شباط) بأن الجيش التركي قد أرسـل تعزيزات عسكرية إلى الداخل السوري، شملت رفع عدد الجنود الأتراك إلى نحو 51 ألف جندي، تدعمهم مئات المركبات المدرعة، والدبابات، والمدفعية الثقيلة، فيما أكد إردوغان (21 فبراير 2020) أن قواته قد كبّدت النظام السوري أكثر من 150 قتيلاً، في رد مباشر على استهداف نقاط المراقبة التركية ومقتل نحو 71 جندياً تركياً (المرصد الاستراتيجي).
وبعد تدخلها في غرب ليبيا تكبدت القوات التركية خسائر بشرية ومعدات بعد قصف قاعدة الوطية، وهي ترسل المزيد من قواتها العسكرية لتدريب ميليشيات حكومة الوفاق، وها هي أيضاً تقوم بنشر قوات خاصة في بلدة «حفتنين» شمال العراق ضد القواعد الخلفية لحزب العمال الكردستاني.
واستبقت تركيا هذه العملية العسكرية التي أطلقت عليها اسم «مخالب النمر» بقصف مكثف بسلاح المدفعية على نفس البلدة.
كما يأتي هذا الهجوم البري بعد القصف الجوي الذي تعرضت له عدة مناطق في شمال العراق ليل الأحد - الاثنين الماضي، على غرار بلدة قنديل ومنطقتي سنجار وحكروك (فرانس 24).
ورغم هذا التمدد، فإن القوات التركية لم تعد ذاهبة إلى نزهة كما كانت تعتقد، فالشعوب تعد الوجود التركي احتلالاً وتقاومه على أرضها، وتكلفة هذا التمدد تأتي في وقت يعاني فيه الاقتصاد التركي صعوبة في النمو وتتعرض الليرة التركية للانهيار.
أما في العراق ولبنان وسوريا واليمن فإن إيران تضطر إلى أن تنزل بثقلها أحياناً ممثلةً في «اللواء 56» أو أصحاب القبعات الخضراء، كما يسمونها، وهي من يسيطر على المطارات السورية عبر قوات من «الحرس الثوري» الإيراني لأن المواجهة أصبحت صعبة على عملائها والخناق يضيق عليهم، وهي عاجزة عن التمويل الذي كان يعينها عن الصدام المباشر، مما يضطرها إلى زيادة وجودها المباشر كقوات وبناء قواعد وأسلحة ومضادات واستخبارات، وذلك بسبب عجز العملاء وحدهم عن الصمود أمام ردّات فعل الشعوب العربية، وأمام الصراعات بين القوى العظمى التي تكالبت على ذات المواقع.
حتى المواجهات الأميركية الروسية على مواقع النفوذ، تقع خسائرها على حساب الوجود التركي والإيراني في سوريا وفي ليبيا تحديداً.
ومن المتوقع إذن أن يثير حجم الخسائر البشرية التركية والإيرانية التي ستتكبدها الدولتان في معارك خارج حدودهما، موجات سخط في الداخل الإيراني والتركي، تضاف إلى الموجودة بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية وانهيار العملة المحلية التركية والإيرانية. فإذا أضفنا إلى ذلك كله إشعال الجبهات الداخلية كالذي حدث في إيران، بعد سلسلة التفجيرات داخل الأراضي الإيرانية والحروب السيبرانية وميدانها أيضاً داخل الأراضي الإيرانية، فإن جميع تلك الصدامات ستشغل الممول الرئيسي للوكلاء عن تقديم الدعم الكافي، مما يتركهم أمام خيارين؛ إما النزول والصدام المباشر مع الجيوش العربية، أو ما تبقى منها ومع الشعوب العربية، التي تعدهما دولتين محتلتين، وإما الانسحاب والانكفاء على معالجة هم الداخل، أما الاكتفاء والاعتماد على الوكلاء فقد أصبح عسيراً بعد الآن.