عودة البحر

عودة البحر

عودة البحر

 العرب اليوم -

عودة البحر

بقلم -سمير عطا الله

كان يقال إن أحد الأسباب التي جعلت ألمانيا تنتفض وتتحول إلى دولة – محاربة، كان شعورها بالمهانة أمام السيطرة البريطانية على العالم. فقد كان على قائد السفينة الألمانية الخضوع لعمليات المرور، سواء كان مبحراً على سواحل سنغافورة أو عدن أو أوروبا. عندما سيطر هذا الشعب الصغير على بحار العالم، سيطر أيضاً على يابسته، واستمرت الدولة البريطانية في التوسع حتى ساد البشرية اقتناع بأن هذه الإمبراطورية لن تتعرض يوماً للزوال. وقد اختصر أحد المفكرين النمساويين الانبهار بأداء البريطانيين بالقول: «لقد أضافوا إلى جميع الفنون المعروفة فن الدولة الذي لا يجيده أحد مثلهم».
يا لتحولات التاريخ ومساراته العجيبة. فقد احتفل البريطانيون يوم الخميس احتفالاً لا مثيل له بخروجهم المبهم من الإطار الأوروبي. وداعاً لسيادة البحار. وداعاً للممتلكات التي لا تغيب عنها الشمس. ودائماً للزمن الماضي، فما عادت له أي أهمية في الزمن الحاضر. الاتفاق على «بريكست» هو تسوية ارتضائية أبقت كل شيء في مكانه، فيما هي تعلن العكس. ولن يطالب أحدٌ أحداً بالتوضيح. لقد انتهت المسألة ولم تغرق بريطانيا وأوروبا في فوضى المعاملات والأوراق والتفسيرات والمطالعات التي لا تقول شيئاً. إذاً المسألة ليست أكثر من ذلك. لقد طلب البريطانيون إعفاء جزيرتهم من روابط الماضي وأحلامه، وقرروا الخروج من القارة التي هم خارجها في الأساس، خوفاً من أن تبتلعهم كما تبتلع أوروبا أمواج اللاجئين المتدفقة من كل صوب.
لكن انفجار «كورونا» طفق يعلمهم كل يوم أن هذا العالم الحديث لا يمكن أن يغلقه شيء سوى الأوبئة. وها هي تتوالد في وجه البشرية مثل أفلام الرعب والأساطير التي لم تبلغ مرة ما بلغته «تحورات كورونا»، وهي تستنسخ نفسها ونشرها كمثل تفسيخ الثرى وتحويلها إلى سلاح نووي شامل. قال الزعيم المنفوش الشعر لشعبه إن هذه أفضل هدية ميلادية يتلقاها. والحقيقة أنه في مثل هذا الزمن الذي يمر به العالم، فإن أي هدية على الإطلاق، هي أفضل هدية. وأين وجه الاحتفال بالنسبة إلى شعب كان يملك مفاتيح البحر والقارات. فعندما سبقهم الفرنسيون إلى شق قناة السويس، سارع الدهاء البريطاني إلى شراء الشركة برمتها. وسوف تخوض بريطانيا بعد ذلك، حرباً خاسرة ومعيبة لمنع مصر من تأميم القناة. لكن الذهاب إلى الحرب كان دليلاً على ما تعنيه القناة، ليس فقط إلى بريطانيا، بل أيضاً إلى فرنسا وألمانيا وجميع القوى العالمية التي تحدى فيها الإنسان رغبات الطبيعة، وأفرغ ملايين الأطنان من الرمال لكي يسمح للسفن بتقليص مسافات الإبحار على نحو أسطوري.
لا هزيمة ولا انتصار. هدية عادية في زمن غير عادي. فقد نام الملايين بعد الاتفاق مطمئنين إلى أن بريكست لن يغير الكثير في حياتهم ولن يقلبها رأساً على عقب كما كانوا يتخوفون. وفي ذلك – كما قلنا – راحة للجميع. وفي أي حال ما كان ينقص هذا العالم البائس بؤس آخر. لقد كسر اتفاق بريكست شؤم العام المشؤوم.

 

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عودة البحر عودة البحر



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أشرف حكيمي يمدد عقده مع باريس سان جيرمان حتي عام 2029

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 09:37 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ثوران بركاني جديد في أيسلندا يهدد منتجع بلو لاجون الشهير

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 11:06 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مستشفى كمال عدوان بدون أكسجين أو ماء إثر قصف إسرائيلي مدمر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab