العالم هنا والسلطة غائبة

العالم هنا والسلطة غائبة

العالم هنا والسلطة غائبة

 العرب اليوم -

العالم هنا والسلطة غائبة

بقلم - سمير عطا الله

خلال الأيام الأخيرة رست في ميناء بيروت المحطم بوارج من ثلاث دول كبرى. خمسة بواخر تحمل المساعدات الإنسانية. وفي مطاره هبطت 192 طائرة أتت من 42 دولة تحمل هي أيضاً جميع أنواع المساعدات التي يحتاجها شعب منكوب في حالة طارئة. وللمرة الأولى اتصل الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بالرئيس اللبناني ميشال عون. وحضر إلى بيروت في صورة مفاجئة ومبهرة رئيس فرنسا، وتحركت الأمم المتحدة وعدد كبير من المنظمات الدولية. وعلى الجانب الآخر من الاهتمام العالمي كانت المحكمة الدولية في لاهاي تصدر حكماً قضائياً في اغتيال الرئيس رفيق الحريري انتظره العالم نحو 15 عاماً.

مثل هذا الاهتمام يشير بكل بساطة إلى مكانة هذه الدولة الصغيرة بين الأمم. لكن الأسرة الدولية، رسمية أو مدنيّة، أوضحت في الوقت نفسه أن التقدير الذي تحمله للشعب اللبناني، لا يشمل دولته على الإطلاق إلا في حالة الاضطرار وللضرورات الشكلية. تشكل 42 دولة، ثلث العالم، لكن هذا لا يعني أن الثلثين الآخرين لم يكونا على اهتمام أيضاً بالكارثة التي دمّرت بيروت، تلك المنطقة المركزية التي تجمع بين اللبنانيين منذ مائة عام. ويتساوى اسم بيروت في ذاكرة العالم مع اسم لبنان. أو يفوقه شهرة بعض الأحيان. الغريب والفظّ في هذا الحضور الدولي هو أن الغائب الأول كان الدولة اللبنانية. فلا هي في المطار ولا في الميناء الحزين ولو بين الركام والأحزان والدماء تضمّد جراح الضحايا وآلام الناس.
المبكي أكثر من أي شيء كان سلوك الدولة والسلطة الصغير أمام حجم هذه الكارثة الإنسانية. فقد مضت تبحث عن نفسها وسط كل هذا الضياع، وفتّشت عبثاً عن شظاياها في كل مكان، وأقرّت من دون أي اعتذار أو دمعة، بمسؤوليتها عن هذا الهول التاريخي، ولكن من دون أن تتخذ أي خطوة، أو بادرة، تنبئ عن استحقاقها لأن تكون في الموقع الذي هي فيه. العالم برمّته يبحث عن لبنان تحت الركام وفي أعماق البحر، والسلطة السياسية تبحث على السطح عن تشكيلة وزارية تمثل - كالعادة - مستوى الخواء السياسي الطاغي، بدل أن تُمثل مكانة لبنان الذي يهب العالم إلى العناية به.
لا تزال بيروت تبكي وهي تودّع المزيد من الضحايا، وترمّم المزيد من المباني، وتبحث عن المزيد من المفقودين وتنوء تحت المزيد من الكوارث المالية والاقتصادية والاجتماعية والحياتية. فيما السلطة تبحث في المقابل عن وزراء ترضى بهم الزعامات والأحزاب والجمهورية التي هي مُصاب لبنان الأكبر والأكثر ألماً وخطراً وتهديداً لمستقبله كدولة قابلة للحياة ووطن قابل للبقاء.
لم يكن لبنان في حاجة إلى مثل هذه المصيبة لكي يعرف ماذا يعني للعرب وللعالم، أو ماذا تعني بيروت بأضواء ومنارات، خصوصاً في اشتداد عصور الظلام عليها وعلى محيطها. أما ما كنا نعرف نحن فهو تماماً الذي حدث. أي أن تصرّف الطبقة السياسية لن يكون أعلى من مستواها المعهود. وأن هول الفاجعة لن يغيّر في أحجام السياسيين أو في همومهم أو في تبلّد مشاعرهم وأحاسيسهم الوطنية أو الإنسانية. حاول أن تنظر إلى ماذا يفعلون، وكيف يبحث كل منهم في كل زاوية عن بقاياه، وليس عن بقايا لبنان. وحاول أن ترى الفارق بين ما بذله الناس في سبيل الضحايا، وما بذلته الدولة في سبيل نفسها، وأزلامها، وحفاظها على ما تكسب من ثروات البلد وأرزاق الناس. والحمد لله على هذا الانقسام ما بين طبيعة اللبنانيين وطبائع أهل السياسة بينهم.  
arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العالم هنا والسلطة غائبة العالم هنا والسلطة غائبة



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 01:25 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

الأوركسترا التنموية و«مترو الرياض»

GMT 06:28 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

السجائر الالكترونية قد تحمل مخاطر صحية غير معروفة

GMT 00:18 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

قصة غروب إمبراطوريات كرة القدم

GMT 00:08 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

تحذير من عقار لعلاج الربو يؤثر على الدماغ

GMT 00:08 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ماذا يحدث فى حلب؟

GMT 01:36 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

عودة ظاهرة الأوفر برايس إلى سوق السيارات المصري

GMT 12:03 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدء أعمال القمة الخليجية الـ 45 في الكويت

GMT 02:12 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

السفارة الروسية في دمشق تصدر بيانًا هامًا

GMT 00:03 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

مي عمر أفضل ممثلة في "ملتقى الإبداع العربي"

GMT 10:19 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

يسرا تتفرغ للسينما بعد خروجها من دراما رمضان

GMT 15:37 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab