بقلم - سمير عطا الله
تذكر اللبنانيون عندما اشتعلت أحداث «عين الرمانة»، صباح الخميس، بداية حربهم الطويلة من تلك الحارة عام 1975، وتذكروا مثلهم القديم على القافية «مش رمانة، قلوب مليانة». تذكروا وارتعبوا وخافوا ونزحوا. وكادت بيروت تعود «أكبر مدينة صناديق في العالم»، كما وصف رزيارد كابوشنسكي مدينة لواندا في الأيام الأخيرة للبرتغاليين: «كانت الناس تضع في الصناديق كل ما تستطيع حمله. رأيت إحدى العائلات تحزم باقة الزهر الصناعي التي كانت في المنزل».
مثل مئات آلاف اللبنانيين، كنت أشاهد صور القتلى والرصاص والحريق وأنا أتساءل: هل هي الحرب الطويلة مرة أخرى؟ هل هي الحرب الأخيرة؟ لا أحد في لبنان يتساءل إن كان هذا باب السلام. كتب أمين معلوف: من يحب لبنان عليه أن يبقى قلقاً طوال حياته. لبنان معقد في منطقة معقدة.
متى تعرف أنَكَ تائه؟ عندما تقف في بلدك وعيناك ترنو إلى بلاد أخرى؛
عندما تقف في بلاد لم تنشأ فيها وعيناكَ ترنو إلى بلادك؛
وعندما تبقى في بلادك وعيناك على مستقبل تراه مستحيلاً؛
عندما تبقى في بلادك وعيناكَ على ماضٍ لن يعود أبداً
للمرة الأولى سمعنا في السنوات الأخيرة لبنانيين يتحدثون عن لبنان في صيغة الماضي. صيغة الطلاق. صيغة الصناديق في مدينة ستحمل منها كل رابط حتى مزهرية الورد الصناعي الجاف. كان اللبنانيون يقولون «بعد الحرب». كأنما ظرف الزمان هذا لم يعد له مكان في اللغة. وللمرة الأولى يتحدث العقلاء عن أن بلدهم وطن مستحيل وخطأ تاريخي وجغرافي وكأنهم مستشرقون.
وقال الرئيس شارل حلو في مذكراته: «أبلغني الرفيق ديغول بحضور سفير لبنان في باريس فيليب تقلا» إذا قامت إسرائيل بالاعتداء على لبنان بصدد ضم أرضٍ لبنانية، فليكن لبنان على يقين بأن فرنسا ستضغط على مجلس الأمن من أجل القيام بدور عسكري، إذا لزم الأمر. وإذا لم يكن بإمكان الأمم المتحدة أن تتحمل مسؤولياتها، فسترسل فرنسا قواتها الخاصة لتدافع عن لبنان. ولكن، لسوء الحظ، إذا نشبت أزمة في لبنان بسبب نزاع بين البسطا والجميزة، لا فرنسا ولا أحد بإمكانه أن يفعل شيئاً من أجلكم، وسيكون على اللبنانيين الاعتماد على عبقريتهم للخروج من مثل هذا «المأزق».